وهو حديث ضعيف. (٢) [الأنعام: ١٤١]. (٣) [التوبة: ٤١]. (٤) وسؤال: هل في المال حق سوى الزكاة؟ فيه مذهبان: الأول: أن الحق الوحيد في المال هو الزكاة، فمن أخرج زكاته فقد طهر ماله. وبرئت ذمته، ولا يطالب بعدها بشيء آخر. إلا ما تطوع به، رغبة في ثواب الله. من أدلة هذا المذهب: ما أخرجه البخاري (٤٦) ومسلم رقم (٨/ ١١) ومالك (١/ ١٧٥ رقم٩٤) وأحمد (١/ ١٦٢) وأبو داود رقم (٣٩١) والنسائي (١/ ٢٢٦ - ٢٢٧) من حديث طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول حتى دنا، فإذ هو يسأل عن الإسلام فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خمس صلوات في اليوم والليلة " قال هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وصيام شهر رمضان " قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع، قال: وذكر له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أفلح الرجل إن صدق ". وما أخرجه البخاري رقم (١٣٩٧) ومسلم رقم (١٥/ ١٤) من حديث أبي هريرة أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: " تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان " قال: والذي بيده لا أزيد على هذا شيئًا أبدًا، ولا أنقص منه، فلما ولى، قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ". * في الحديث الأول أخبر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجل: أن لا شيء عليه غير الزكاة إلا أن يتطوع، وهو دليل ظاهر. * وفي الحديثين أعلن الرجلان السائلان: أنهما لا يزيدان على الزكاة المفروضة شيئًا ورضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهما ذلك. بل أخبر أنهما من أهل الجنة، ولو كان في المال حق سوى الزكاة ما استحقا الجنة مع تركه. المذهب الثاني: أن في المال حق سوى الزكاة. ومن أدلة هذا المذهب: الأول: قول الله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [البقرة: ١٧٧]. * الشاهد في الآية أنها جعلت من أركان البر وعناصره إيتاء المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ... ثم عطف على ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والعطف يقتضي المغايرة، فدل على أن ذلك الإيتاء غير إيتاء الزكاة. الدليل الثاني: قول الله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأنعام: ١٤١]. * والشاهد في الآية. أن الحق المأمور به في الآية هو شيء غير الزكاة، لأن الآية مكية نزلت قبل فرض العشر في المدينة. الدليل الثالث: أحاديث صحيحة في حقوق الإبل والبقر والغنم. منها: ما أخرجه مسلم رقم (٢٨/ ٩٨٨) والنسائي (٥/ ٢٧ رقم ٢٤٥٤) عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها، إلا أظهر لها يوم القيامة بقاع قرقر. تطؤه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن. قلنا يا رسول الله: وما حقها؟ قال: إطراق فحلها وإعارة دلوها. ومنيحتها، وحلبها على الماء. وحمل عليها في سبيل الله ... ". * ووجه الدلالة في هذا الحديث وأمثاله، أنها رتبت الوعيد على منع الحقوق المذكورة فدلت على أنها حقوق واجبة، وهي حقوق أخرى غير الزكاة. الدليل الرابع: أحاديث صحيحة في إيجاب حق الضيف على المضيف. (منها): ما أخرجه البخاري رقم (٦١٣٥) ومسلم رقم (١٤/ ٤٨) ومالك رقم (٢٢) وابن ماجه رقم (٣٦٧٥). عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه ". * دلالته: أن للضيف الطارق حقًا أكيدًا في حال أخيه المسلم الذي أضافه حتى إن الجماعة ليجب عليها معاونته ونصره حتى يأخذ هذا الحق المؤكد وهو حق غير الزكاة. الدليل الخامس: ما جاء من الوعيد بشأن الذين يمنعون الماعون. قال تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} [الماعون: ٤ - ٧]. الدليل السادس: النصوص الجمة التي أوجبت التعاون والتكامل بين المسلمين وفرضت إطعام المسكين والحض عليه. منها: قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: ٢]. وقوله تعالى: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} [الإسراء: ٢٦]. وقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء: ٣٦]. الشاهد في هذه الآيات وغيرها أن الله أوجب على الأغنياء حق المساكين وابن السبيل مع حق ذي القربى. وافترض الإحسان إلى الأبوين وذي القربى والمساكين والجار وما ملكت اليمين، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك. وواضح أن هذا الحق شيء غير الزكاة. * والذي نراه أن شقة الخلاف بينهما ليست بالسعة التي نتخيلها، فإن بينهما مواضع اتفاق لا شك فيها، ولا ينازع فيها أحد الطرفين: (أ): فحق الوالدين في النفقة إذا احتاجا، وولدهما موسر، لا نزاع فيه. (ب): وحق القريب لا نزاع فيه كذلك من حيث المبدأ، وإنما اختلفوا في درجة القرابة الموجبة للنفقة ما بين موسع ومضيق. (ج): وحق المضطر إلى القوت، أو الكساء، أو المأوى، في أن يقات لا نزاع فيه. (د): وحق جماعة المسلمين في دفع ما ينوبهم من النوازل العامة التي تنزل بهم، كصد خطر العدو واستنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار. ومقاومة الأوبئة والمجاعات ونحوها، وأن وجوب المساهمة في هذه النوازل موضع إجماع من علماء المسلمين. " الاعتصام " للإمام الشاطبي (٢/ ١٢١). يتضح لنا أن الذين صرحوا بأن لا حق في المال سوى الزكاة، إنما قصدوا نفي المكوس الجائرة التي يفرضها بعض الحكام، توسعة على أنفسهم وأتباعهم، تضيقًا على شعوبهم، وإن لم تدفع إلى ذلك حاجة، ولم تقتضه مصلحة عامة. وكأنما خشي هؤلاء العلماء أن يتخذ الحكام الظلمة قولهم ذريعة إلى فرض المكوس والضرائب المرهقة بغير حق فسدوا عليهم الباب، وقطعوا عليهم السبيل بقولهم لا حق في المال سوى الزكاة. * ولكن هناك جملة مواضع اختلف فيها الطرفان اختلافًا حقيقيًا: (أ): حق الزرع والثمر عند الحصاد، والراجح أن المراد به العشر ونصف العشر. (ب): حق الضيف والراجح وجوب هذا الحق. (ج): حقوق المواشي في الإبل والغنم والبقر ... والراجح أنها حقوق واجبة غير الزكاة. انظر " فقه الزكاة " للقرضاوي (١/ ٣٤٤ - ٣٤٨)، " نيل الأوطار " للشوكاني (٨/ ١٥٧ - ١٥٨). (د): حق الماعون. والراجح أنه واجب للوعيد الشديد الذي ذكره الله في كتابه. وأخيرًا فيما تأويل الأحاديث الصحيحة التي يفيد ظاهرها أن لا حق في المال سوى الزكاة، إلا بتطوع المالك، وأن من زكاته فقد قضى ما عليه؟؟ يتضح لنا من تلك الأحاديث الصحيحة، أن الزكاة هي الحق الدوري المحدد الثابت في المال، والواجب على الأعيان بصفة دائمة، شكرًا لنعمة الله وتطهيرًا وتزكية للنفس والمال. وهو حق واجب الأداء. ولو لم يوجد فقير يستحق المواساة أو حاجة تستدعي المساهمة. فالفرد المسلم المالك للنصاب في الظروف العادية لا يطالب بشيء في ماله غير الزكاة، فإذا أداها فقد قضى ما عليه، وأذهب عن نفسه شر ماله، وليس عليه شيء آخر، وتتغير بتغير العصور والبينات والملابسات. وهي في الغالب لا تجب على الأعيان بل على الكفاية، إذا قام بها البعض سقط الحرج عن الباقين، وقد تتعين أحيانًا كأن يرى الشخص مضطرًا وهو قادر على دفع ضرورته فيجب عليه دفعها. أو يكون له جار جائع أو عريان وهو قادر على معونته، كما أن الغالب أن توكل هذه الحقوق إلى إيمان الأفراد وضمائرهم دون تدخل السلطة. إلا أن يرى حاكم مسلم أن يفرض بقوة القانون فرضًا ما أوجبه الإيمان إيجابًا وخاصة إذا كثرت حاجات الأفراد واتسعت نفقات الدولة وأعباؤها، فحينئذ لا بد من تدخل الدولة وإلزامها. " فقه الزكاة " د. القرضاوي (٢/ ٩٦١ - ٩٩٢).