للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحو ذلك فهو مقصور على محله لا تجوز مجاوزته إلى غيره. وقد استوفيت الكلام على ذلك في رسالة مستقلة (١) [١٦]، وسردت فيها المواضع التي وردت، وأوضحت هنالك أن الأصل الأصيل المعلوم بالضرورة الدينية هو تحريم مال المسلم (٢)، وعصمته، وعدم تسويغه إلا بطيبة من نفسه (٣)، وأن تلك المواضع التي فيها التأديب بالمال كالمخصصة لهذا العموم، فيقتصر عليها. ولا تجوز مجاوزتها إلى غيرها، وأنه لا يجوز ذلك في هذه المواضع التي وردت إلا لأئمة المسلمين المتبحرين في معرفة أحكام الدين، ولا تجوز لأفرادهم كائنًا من كان.

ولا يشك عالم أن تلك المواضع اليسيرة واردة على خلاف الأصل في هذه الشريعة، فإن الأصل المعلوم بالضرورة هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العقوبات المقدرة للعصاة. وقد تهافت الظلمة في هذه المسألة تهافتًا شنيعًا، حتى عطلوا الحدود الواجبة، واستحلوا أموال المسلمين بغير حقها، فأخذوا ما حرم الله عليهم أخذه، وهو مال المسلم، وأهملوا ما أخذ الله عليهم القيام به، وهي الحدود الشرعية، فجمعوا بين خطيئتين شنيعتين هما استحلال أموال المسلمين وأكلها بالباطل، وتعطيل حدود الله التي شرعها لعباده، وأعانهم على ذلك علماء السوء فأفتوهم بما وجدوه في نصوص أهل العلم من الكلام على التأديب بالمال، فضلوا وأضلوا، وكانوا شركاءهم في المظلمة، مع أن نصوص أهل العلم مقيدة بقيود مشروطة بشروط، وكذلك الأدلة [١٧] الواردة في ذلك، فإنها في مواطن خاصة مباينة لما يفعله أهل الظلم، مبنية على


(١) رقم (١٣٠).
(٢) قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: ٢٩].
(٣) قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.