للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* (السؤال الثامن): حاصله عن أرض فيها آثار ملك متقادمة، ولا يد عليها في الحال، ولا يعرف مالكها، ولبعض الناس أوضاع شرعية تفيد أن له ملكًا فيها، ولكنه غير معين في جهة من جهاتها، فهل يجوز إحياؤها أم لا؟.

* أقول: إن الأرض التي فيها آثار ملك (١) لمالك غير معروف إن كانت في البلاد


(١) قال ابن قدامة في " المغني " (٨/ ١٤٦) وجملته أن الموات قسمان:
أحدهما: ما لم يجر عليه ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة، فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء.
الثاني: ما جرى عليه ملك مالك وهو ثلاثة أنواع:
أ/- ماله مالك معين وهو ضربان: - صلى الله عليه وسلم -
أحدهما: ما ملك بشراء أو عطية فهذا لا يملك بالإحياء بغير خلاف.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن ما عرف يملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه.
الثاني: ما ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتًا فهو كالذي قبله سواء.
وقال مالك: يملك هذا لعموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أحيا أرضًا ميتة فهي له " ولأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتًا عادت إلى الإباحة.
وقال ابن قدامة ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها، فلم تملك بالإحياء، كالتي ملكت بشراء أو عطية، والخبر مقيد بغير المملوك، بقوله في الرواية الأخرى: " من أحيا أرضًا ميتة ليست لأحد " وقوله " في غير حق مسلم ". وهذا يوجب تقييد مطلق حديثه.
ب\- ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي. كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوها، فهذا يملك بالإحياء لأن ذلك لا حرمة له.
وقد روي عن طاوس عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هو بعد لكم " رواه سعيد بن منصور في سننه، وقال أبو عبيدة في الأموال - (ص ٢٧٢). عادي الأرض: التي كان بها ساكن في آباد الدهر فانقرضوا، فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى عاد، لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فنسب كل أثر قديم إليهم، ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك، ولم يعلم زواله قبل الإسلام، أنه لا يملك، لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامرًا فاستحقوه، فصار موقوفًا بوقف عمر له، فلم يملك، كما لو علم مالكه.
ج\- ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم، أو ذمي غير معين، فظاهر كلام الخرقي أنها لا تملك بالإحياء. وهي إحدى الروايتين عن أحمد. ولأن هذه الأرض لها مالك، فلم يجز إحياؤها: كما لو كان معينًا، فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم، وإن لم يكن له ورثة، ورثها المسلمون والرواية الثانية أنها تملك بالإحياء. وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم الأخبار؛ ولأنها أرض موات، لا حق فيها لقوم بأعيانهم، أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك، ولأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام، وإن كانت في دار الكفر فهي كالركاز.