كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني

عن أنس بن مالك قال: كان رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُكثر القِناعَ كأنه ثوبَه ثوبُ زيّات.

والقِناعُ والتقنُّع وهو التَغَشّي بالثواب كما في القاموس (١) وغيره (٢) من كتب اللغة. وثبت أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جاء إلى أبي بكر متقنِّعًا بالهاجرة.

فإن قلتَ يُشكل على هذا ما قاله ابنُ القيم (٣) من أنه لم يُنقل عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنه لبس الطَيْلَسان (٤) ولا أحدٌ من أصحابه، بل قد ثبت في صحيح مسلم (٥) من حديث النّواسِ بن سمعانَ (٦) عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنه ذكر الدّجال فقال: يخرج معه سبعون ألفًا من يهود أصفهان عليهم الطيالسة.

ورأى أنسٌ جماعةً من الطيالسة فقال: ما أشبَهَهُم بيهود خيبر.

قال ابنُ القيِّم (٧): ومن هنا كرِه جماعةٌ [١٣] من السّلف والخلَفِ لُبْسَ الطيلسانِ لما رواه أبو داودَ (٨) الحاكم في المستدرك (٩) عن ابن عمرَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ

(١) (ص٩٧٨).
(٢) انظر "لسان العرب" (١١/ ٣٢٣).
(٣) في "زاد المعاد" (١/ ١٤٢).
(٤) الطيالسة: جمع طيلسان بفتح اللام، ولا تكسره العرب في المشهور وكاه والبكريُّ بكسر اللام وهو الكساء. وهو أعجميُّ معرَّب والهاء في جمعه للعجمة.
"المفهم" (٧/ ٢٩٣).
(٥) رقم (١٢٤/ ٢٩٤٤).
الطيالسة: جمع طيلسان. والطيلسان أعجمي معرب: ثوب يلبس على الكتف يحيط بالبدن ينسج للبس خالٍ من التفصيل والخياطة.
(٦) بل هو من حديث أنس بن مالك ولقد وهم ابن القيم وتبعه في ذلك الشوكاني.
(٧) في "زاد المعاد" (١/ ١٤٢).
(٨) في "السنن" رقم (٤٠٣١).
(٩) لم أجده في المستدرك.
قلت: وأخرجه أحمد (٢/ ٥٠، ٩٢) والطحاوي في "مشكل الآثار" (١/ ٨٨) وابن أبي شيبة في "المصنف" (٥/ ٣١٣) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (٨٤٨) كلهم من حديث ابن عمر.
وهو حديث صحيح.