للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مغرور في الجملة؛ لأنه لو علم بذلك العيب لم يقدم على الشراء بلا شك، فهذه تسعة خيارات من الخيارات المعدودة في كتب الفقه، قد رجعت إلى الخيار العاشر منها، وهو الخيار المسمى بخيار الغرر، كبيع المصراة، وبقيت ثلاثة أنواع ربما يخفى رجوعها إلى الغرر، ولكنه يرتفع الخفاء بالإيضاح لوجه الرجوع.

الأول من الثلاثة: كون العقد موقوفا، فإن العاقد إنما يقدم على العقد لتترتب عليه آثاره، والعقد الموقوف قد صار المعقود عليه فيه في حكم المحبوس، فجميع آثاره غير مترتبة عليه، فالعاقد قد وقع بعقده في نوع من أنواع الغرر، فله التخلص مما وقع فيه.

والثاني: خيار تعذر تسليم المبيع؛ فإن المشتري لو علم بأن العين التي اشتراها متعذر تسليمها لم يعقد عليها، وذلك غرر، فله التخلص عنه بالفسخ.

والثالث: خيار الشرط، فإن المشتري، أو البائع لو كان على بصيرة من نفسه، ولم يكن عنده جهالة تستلزم الغرر في الجملة لم يشرط لنفسه أجلا، فلما شرطه كان متمكنا من التخلص قبل أن تلزم الصفقة، ويتم البيع.

فهذه ثلاثة عشر خيارا، وهي المعدودة في كتب الفقه قد رجع اثنا عشر منها إلى واحد، وهو خيار الغرر على ما بيناه.

وإذا تقرر لك هذا في الأنواع المعدودة في كتب الفقه فاعلم أن الأدلة الواردة في الخيار هي جميعها راجعة إلى الغرر لا تخرج عنه، وبيان ذلك أن جملة الأدلة المثبتة للخيار ستة:

الأول: بيع المصراة (١)؛ فإنه ثبت في


(١) التصرية: جمع اللبن في الضرع. يقال: صرى الشاة، وصرى اللبن في ضرع الشاة، بالتشديد والتخفيف.
ويقال: صرى الماء في الحوض، وصرى الطعام في فيه وصرى الماء في ظهره، إذا ترك الجماع.
انظر: " غريب الحديث " (٢/ ٢٤١).
قال البخاري في صحيحه (٤/ ٣٦١): والمصراة التي صري لبنها وحقن فيه وجمع فلم يحلب أياما.
وأصل التصرية حبس الماء، يقال منه: صريت الماء: إذا حبسته.