للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بحث في الصوم لي وأنا أجزي به]

السؤال الثالث: قال - حفظه الله -: المسألة الثالثة قوله: " الصوم لي وأنا أجزي به " (١) الحديث، كيف أنه اختص من بين سائر العبادات بالله؟ إن قلنا: كونه عبادة خفية، فالإيمان أخفى، وإن قلنا: أن فيه تصفية للقلب والعقل، فذكر الله تعالى في التصفية أبلغ، وكذلك تلاوة القرآن، وإن قلنا: عبادة لم يعبد بها غير الله، فأهل الملل الأخرى يصومون لاستخدام الأفلاك، وللارتياض ونحو ذلك مما لم يقصد به الباري؟ أفيدوا. انتهى.

والجواب أنه قد اختلف في تفسير معنى هذا اللفظ الوارد في الحديث اختلافا طويلا، حتى بلغت الأقوال إلى خمسة وخمسين قولا، أقواها ستة.

أحدها: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه أكثر. هذا سياق الحديث، فإن لفظه في الأمهات (٢) هكذا: عن أبي هريرة قال: قال رسول


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (١٩٠٤) ومسلم رقم (١٦٣، ١٦٤/ ١١٥١) وأحمد (٢/ ٢٧٣) والنسائي (٤/ ١٦٢ - ١٦٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب. وفي رواية: ولا يجهل. فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة منريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ".
(٢) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه رقم (٧٤٩٢)، (٥٩٢٧) و (١٨٩٤)، (٧٥٣٨) وابن ماجه رقم (١٦٦٣٨) وأحمد (٢/ ٢٨١) (٢/ ٤٤٣، ٤٧٧) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر حسنات إلى سبع مائة ضعف، يقول الله: إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به ...... " وله عندهم ألفاظ مختلفة.
وقال الحافظ في " الفتح " (٤/ ١١٠): عن البيضاوي: والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر، بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى. ولذلك يتولى الله جزاؤه بنفسه ولا يكله إلى غيره. قال - البيضاوي -: والسبب في اختصاص الصوم بهذه المزية أمران:
أحدهما: أن سائر العبادات مما يطلع العباد عليه. والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا ويعامله به طالبا لرضاه، وإلى ذلك الإشارة بقوله: " فإنه لي ".
الآخر: أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال للبدن، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان، وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات.