للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب أنه إذا كان لذلك الراوي شرط معروف فيمن يروي عنه، وكان من أهل التحري والإتقان والخبرة الكاملة في الفن، وصرح بأنه لا يروي إلا عمن حصل فيه ذلك الشرط كان الظاهر وجود الشرط المذكور في جميع رواته، فإن كان المجتهد يرى أن ما جعله ذلك الراوي شرطًا تحصل به مفهوم العدالة عنده وفي اجتهاده فلا بأس، فذلك وإن لم يكن للراوي شرط معروف، أو كان ولكن لا يراه المجتهد المطلع على ذلك محصلًا لمفهوم العدالة فلا يكون ذلك تعديلًا، فلا بد من هذا التفصيل وتقييد أحوال المختلفين في هذه المسألة به فاعرفه، قال السائل: وهل مسألة الجرح والتعديل يجوز فيها التقليد أم لا (١)؟

أقول: ينبغي أن يعلم السائل أن التقليد هو قبول رأي الغير دون روايته من دون مطالبة بالحجة، وتعديل المعدل للراوي ليس من الرأي في ورد ولا صدر، بل هو من الرواية [٢ب] بحال من يعدله أو يجرحه؛ لأنه ينقل إلينا ما كان معلومًا لديه من حال الراوي، وهذا بلا شك من الرواية لا من الرأي، فلا مدخل لهذه المسألة في التقليد، وقد أوردها بعض المتأخرين لقصد التشكيك على المدعين للاجتهاد زاعمًا أنهم لم يخرجوا عن التقليد من هذه الحيثية، وأنت خبير بأن هذا التشكيك باطل نشأ من عدم الفرق بين الرواية والرأي، ومن هاهنا يعرف السائل بأن الاجتهاد متيسر لا متعذر ولا متعسر، والهداية بيد الله عز وجل، وقد أوضحت هذه المسألة في مؤلفاتي بمباحث مطولة (٢) لا يتسع المقام لبسطها، وأطال وأطاب الكلام في شأنها الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله تعالى


(١) انظر: الرسالة رقم (١).
(٢) منها "القول المفيد في حكم التقليد" بتحقيقنا.