نبذ الشيطان ومحاربته، وليس حقيقية يراد بها قتله وإماتته، فعلى المسلم تحقيق الأمر، ومنابذة الشيطان عدو الإنسان اللدود بالعداء ليس غير، ومع هذا التحذير الشديد من الغلو في الدين، وقع المسلمون فيه مع الأسف، واتبعوا سنن أهل الكتاب، فقال قائلهم:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فهذا الشاعر الذي يعظمه كثير من المسلمين، ويترنمون بقصيدته هذه، المشهورة بالبردة، ويتبركون بها، وينشدونها في الموالد وبعض مجالس الوعظ والعلم، ويعدون ذلك قربة إلى الله تبارك وتعالى، ودليلاً على محبتهم نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، أقول: هذا الشاعر قد ظن النهي الوارد في الحديث السابق منصباً فقط على الادعاء بأن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - ابن الله، فنهى عن هذه القولة، ودعا إلى القول بأي شيء آخر مهما كان. وهذا غلط بالغ وضلال مبين، ذلك لأن للإطراء المنهي عنه في الحديث معنيين اثنين أولهما مطلق المدح، وثانيهما المدح المجاوز للحد. وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد الحديث النهي عن مدحه - صلى الله عليه وآله وسلم - مطلقاً، من باب سد الذريعة، واكتفاءً باصطفاء الله تعالى له نبياً ورسولاً، وحبيباً وخليلاً، ومما أثنى سبحانه عليه في قوله:{وإنك لعلى خلق عظيم}، إذ ماذا يمكن للبشر أن يقولوا فيه بعد قول الله تبارك وتعالى هذا؟ وما قيمة أي كلام يقولونه أمام شهادة الله تعالى هذه؟ وإن أعظم مدح له - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تقول فيه ما قال ربنا عز وجل: إنه عبد له ورسوله، فتلك أكبر تزكية له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وليس فيها إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير. وقد وصفه ربنا سبحانه وتعالى وهو في أعلى درجاته، وأرفع تكريم من الله تعالى له، وذلك حينما أسرى وعرج به إلى السماوات العلى، حيث أراه من آيات ربه الكبرى، وصفه حينذاك بالعبودية فقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من