وقوله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى}، أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة وما ذاك إلا لما في قلوبهم ـ إذا كانوا على دين المسيح ـ من الرقة والرأفة كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}[الحديد: ٢٧]، وفي كتابهم:«من ضربك على خدك الأيمن فأَدِرْ له خدك الأيسر»، وليس القتال مشروعاً في ملتهم، ولهذا قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} أي يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم، واحِدُهُم قسيس وقس أيضا، والرهبان جمع راهب وهو العابد مشتق من الرهبة وهي الخوف.
فقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف فقال:{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحَقِّ} أي مما عندهم من البشارة ببعثة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، يقولون:{رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أي مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به، أي مع محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمته هم الشاهدون يشهدون لنبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قد بلغ وللرسل