للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَالْفِعْلُ) أيُّ فعل؟ .. لأنَّه قال: (بِتَثْلِيْثٍ) يعني: بجزمٍ ونصبٍ، والجزم والنَّصب والرَّفع لا يوصف بها غير المضارع نعم.

(وَالْفِعْلُ) يعني: المضارع، حذف نعته وهو المضارع للعلم به، وعُلِم ذلك من الحكم عليه بالرَّفع والنَّصب والجزم، (الْفِعْلُ) مبتدأ، (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) قصره للضرورة، (مِنْ بَعْدِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَرِنْ): إن يقترن من بعد الجزاء، (بِالْفَا) مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَرِنْ) قصره للضرورة.

(أَوِ الْوَاوِ) وخصَّهما على جهة الخصوص، يعني: غيرهما لا يلتحق بهما عند النَّاظِم، (قَمِنْ بِتَثْلِيْثٍ) أي: حقيقٌ بتثليثٍ، (قَمِنْ) هذا خبر المبتدأ.

إذاً قوله: (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) هذا فيه إشارة إلى أنَّ أداة الشَّرط تأخذ جوابها أولاً، يعني: لا يقع الفعل وسطاً متوسِّطاً بين الشَّرط والجزاء، وإنما يكون بعد استيفاء الأداة للشَّرط والجزاء معاً.

(بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ) أي: حقيقٌ. إذا وقع بعد جزاء الشَّرط فعلٌ مضارع مقرونٌ بالفاء أو الواو جاز فيه ثلاثة أوجه: الجزم والرَّفع والنَّصب، وقد قرئ بالثلاثة قوله تعالى: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)) [البقرة:٢٨٤] (يَغْفِرُ .. يَغْفِرْ .. يَغْفِرَ .. فَيَغْفِرَ) (فَيَغْفِرَ) على أنَّ الفعل منصوبٌ بـ: (أنْ) مضمرةً وجوباً بعد فاء السَّببيَّة، لأنَّ المغفرة مُتسبِّبَة عَمَّا سبق ففيها معنى السَّببيَّة.

(فَيَغْفِرْ) هذا واضح أنه معطوفٌ على الجواب، (فَيَغْفِرُ) على الاستئناف، فالجزم بالعطف، والرَّفع على الاستئناف، والنَّصب بـ: (أنْ) مضمرةً وجوباً وهو قليل يعني: الرَّفع، قال في (شرح الشُّذور): "جزمه قوي، ونصبه ضعيف، ورفعه جائز" (جزمه قوي) لأنَّه الأصل، جزمه قوي ونصبه ضعيف، ورفعه جائز.

قرأ عاصم في الآية السَّابقة وابن عامر بالرَّفع، وباقيهم بالجزم، وابن عباس بالنصب، فدل على أنَّها كلها مستعملة، وإنْ كانت قراءة ابن عباس شاذَّة لكنَّها في مثل هذه المواضع يُحتج بها. وإنَّما جاز النصب بعد الجزاء لأنَّ مضمونه لم يتحقَّق وقوعه، فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام، لأنَّه إذا قيل: (فَيَغْفِرَ) معلومٌ أنَّ ما وقع بعد الفاء .. فاء السَّببيَّة لا بُدَّ أنْ يكون واقعاً في جواب طلبٍ أو نفيٍ، وهنا في الظاهر لم يقع: ((وَإِنْ تُبْدُوا)) [البقرة:٢٨٤] فكيف نُصِّبْ؟ ّ!

ولذلك قال هنا ابن هشام: "ونصبه ضعيف" لماذا؟ لأن شرط النَّصب بعد فاء السَّببيَّة أن يقع في جواب طلبٍ أو نفيٍ محضين، وهنا في الظَّاهر لم يقع، إذا قلت: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرَ) أين جواب الطلب؟ في الظاهر لا، لكن تأوَّلوا له، قالوا: إنما جاز النَّصب بعد الجزاء لأنَّ مضمونه لم يتحقَّق وقوعه، فأشبه الواقعُ بعده الواقعَ بعد الاستفهام، نزَّلوه مُنَزَّلة الاستفهام والاستفهام طلبي، إذاً: نزَّلوه مُنَزَّلة الاستفهام من أجل أن يصح النَّصب، ولذلك قال ابن هشام: "أنه ضعيف".