الكوفة أشخصه المنصور لسعاية سعى بها رجل عليه، وقيل له إن عنده أموالاً لبني أمية وودائع، فلما حضر قال له المنصور أخرج ودائع بني أمية وأموالهم التي عندك. قال الرجل يا أمير المؤمنين أوارث أنت لبني أمية؟ قال: لا. قال أفوصيّ لهم؟ قال لا. قال فبأي شيء أدفع إليك ما في يدي من أموالهم وودائعهم؟ قال فأطرق المنصور رأسه مفكراً في الحجة، ثم رفع رأسه وقال إن بني أمية خانوا المسلمين في أموالهم وأنا وكيل المسلمين في حقوقهم يجب عليّ أن أطالب فيما أخذوه منهم على سبيل الخيانة وأردها إلى بيت مال المسلمين. قال الرجل يا أمير المؤمنين بقيت عليك البينة العادلة أن هذا المال الذي قبلي من تلك الخيانات دون غيرها لقد كان للقوم أموال من وجوه شتى. قال فأطرق المنصور ملياً يطلب الحجة عليه فلم يجدها فالتفت إليّ، وقال يا ربيع أطلق الرجل فوالله ما خاطبت رجلاً مثله قط، ثم قال له سل حاجتك إن كان لك حاجة، قال الرجل والله مالي حاجة إلا إرسال كتاب في البريد إلى أهلي بسلامتي فإن قلوبهم متعلقة بي وبخبري فأمر المنصور بذلك، فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما قبلي لني أمية مال قط ولا وديعة وإني أحب أن يأمر أمير المؤمنين بالجمع بيني وبين من سعى بي إليه، فقال له المنصور لم لم تنكر؟ قال فإني لما وقفت هذا الموقف رأيت الاحتجاج أقرب إليّ من الجحود فأمر المنصور بإحضار الساعي فأحضر فإذا هو غلام الرجل قد هرب منه. قال يا أمير المؤمنين هذا والله عبدي قد أبق مني وسرق مني ثلاثة آلاف دينار وأتلفها فشدد المنصور على الغلام، فقال صدق والله يا أمير المؤمنين وإنما كذبت عليه لأشغله عن طلبي، فقال المنصور هب جرمه إليّ وإساءته، فقال أشهدك يا أمير المؤمنين أنه حرّ لوجه الله وإن له من مالي ثلاثة آلاف دينار أخرى، فقال المنصور ما أراد هذا كله منك، قال هذا قليل لمن تكلم أمير المؤمنين فيه، فأعجب المنصور كلامه وأمر له بخلعة حسنة وكان يتعجب أبداً من ثبوته على حجته واجتماع عقله وكرم فعله.
حكاية: قيل إن ملكاً من ملوك الفرس كان سميناً مثقلاً حتى أنه لا ينتفع بنفسه فجمع الأطباء على أن يعالجوه من ذلك فصار كلما عالجوه لا يزداد إلا شحماً فجيء إليه ببعض الحذاق من الأطباء، فقال له أنا أعالجك أيها الملك ولكن أمهلني ثلاثة أيام حتى أتأمل وأنظر إلى طالعك وما يوافقك من الأدوية، فلما مضت له ثلاثة