للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللحديث دلالتان:

إحداهما: قطعية وهي تفيد بأن نوعًا على الأقل مما يُسمَّى قتلًا يمنع من الإرث، وهذه الدلالة لا يجوز التأثير عليها بحال؛ لأن ذلك يعني نسخَ حكم منع القتل لاستحقاق الإرث وتعطيلَه، وهذا لا يكون إلا بخطاب من الشارع الحكيم وهو ما لم يرد، ومن هنا أجمع الفقهاء الآخذون بهذا الحديث على أن نوعًا على الأقل من القتل يمنع من الإرث، وهو القتل العمد العدوان، واختلفوا فيما سوى هذا النوع من القتل (١).

والدلالة الثانية: ظنية وهي تفيد بأن جميع أنواع القتل تمنع من الإرث، وهذه الدلالة مأخوذة من عموم لفظ «القاتل»، وإنّما قيل بأنها ظنية لأن اللفظ العام يقبل - من حيث الاستعمال اللغوي - أن يُراد به الخاص وإن كان الأصل فيه العموم والاستغراق.

فإذا تقرر ما سبق، فإنه من غير المستهجن القول بأن دلالة النص القطعية والتي قضت بأن هناك نوعًا على الأقل من القتل يمنع من الإرث تكفي في إفادة علة الحكم، وذلك لأن العلة إذا استُنبطت بمسلك المناسبة فهي إنما تتولّد من نظر العقل في وجه المصلحة التي من أجلها ربط الشارع «الحكم» بـ «المحكوم فيه»، وما دامت دلالة النص القطعية كافية في الدلالة على هذا الربط - إذ إنها ربطت بين القتل، وهو الفعل المحكوم فيه، وبين المنع من الإرث، وهو الحكم - فإنه يمكن، بالنظر إليها بمجردها، استنباطُ علة الحكم.


(١) انظر: سعدي أبو جيب، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، ط ٢، دار الفكر دمشق، ١٤٠٤ هـ‍، ج ٢، ص ٩٨٦.

<<  <   >  >>