للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجواب هو أنّ القول بانبثاق العلة عن كلا دلالتي النص الظنية والقطعية - وقد سبق شرح هذين الدلالتين في مقتضى النص في الفصل الأول - فيه نظر.

ووجه ذلك أن الدلالة القطعية للنص - وهي ما دلّ عليه النص قطعًا - تكفي بمجردها للتعريف بعلة النص، لذلك فإنها - وحدها دون الدلالة الظنية - هي أصل العلة والعلة فرعها، ومن هنا سبق القول بأنه لا يجوز للعلة أن تعود عليها بالتأثير، وبأن مجال تأثير التعليل على النص يتحدد بما دون المقتضى القطعي للنص، فإذا كان ذلك خرج عود العلة على المقتضى الظني للنص بالإبطال عن كونه عودًا للفرع على أصله بذلك لأنه - وكما سبق القول - ليست العلة فرعًا لمقتضى النص الظني وإنما لمقتضى النص القطعي فقط.

ويمكن توضيح هذا القول بمثال، وهو اجتهاد المالكية في الحديث «القاتل لا يرث» (١)، إذ يرى الإمام مالك، رحمه اللَّه، أن القتل المانع من الإرث هو فقط القتل العمد العدوان؛ وذلك لأن العلة في الحرمان من الإرث - كما رآها هو - هي معاملة القاتل المستعجل للإرث بنقيض مقصوده عقوبة له، ومقتضى هذه العلة هو أن لا يحرم القاتل خطأ من الإرث وذلك لعدم توفر قصد الإجرام لديه، وأن لا يحرم كذلك القاتل بحق كمستوفي القصاص وذلك لأنه لا يستحق العقوبة لقيامه بواجبه.

وعليه يكون الإمام مالك قد خصّ بمقتضى العلة هذا عموم الحديث الناصّ على حرمان القاتل - بإطلاق - من الإرث (٢).


(١) سبق تخريجه في المبحث السابق، المطلب الأول.
(٢) انظر: الغزالي، شفاء الغليل، ص ٧٢، والحطاب، مواهب الجليل، ج ٦، ص ٤٢٢.

<<  <   >  >>