للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأرض بمكان مرتفع، فرأى: جيوش المسلمين- بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن يساره- قد ملؤوا السهل والجبل، فالتفت إلى مقدم العسكر- وهو رجل يعرف: بابن المصحفي- ١ وقال له: كيف ترى هذا العسكر، أيها الوزير؟ "فقال له- ابن المصحفي-: "أرى جمعاً كثيراً، وجيشاً واسعاً" قال له المنصور: "لا يعجزنا أن يكون في هذا الجيش ألف مقاتل، من أهل الشجاعة والبسالة"، فسكت ابن المصحفي، فقال المنصور: "ما سكوتك؟ أليس في هذا الجيش ألف مقاتل من الأبطال؟ " [٣٠/ب]

قال: "لا"، فتعجب المنصور!، ثم انعطف عليه، فقال: "أليس فيهم خمسمائة رجل؟ " قال: "لا قال: "أفيهم مائة رجل؟ " قال: "لا قال: "أفيهم خمسون؟ " قال: "لا"، فسبّه المنصور، واستخفّ به، وأمر به فأخرج على أقبح حال!.

فلما توسّطوا بلاد المشركين: اجتمعت الروم، وتصافّ الجمعان، فبرز علج ٢ من الروم- يكر ٣ ويمرّ- وهو ينادي: "هل من مبارز؟ "، فبرز له رجل من المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العلج، ففرح المشركون، وصاحوا


= الأندلس، في دولة المؤيد الأموي، قدم قرطبة طالباً للعلم فبرع وتولّى القضاء في اشبيلية، وقام بشؤون الدولة لما مات المستنصر الأموي، وكان "المؤيد" صغيراً، قال الذهبي: (كان المؤيد معه صورة بلا معنى). مات في احدى غزواته بمدينة سالم (سنة ٣٩٢هـ). (ابن الأثير- الكامل: ٩/ ٦١، المقري- نفح الطيب:١/ ١٨٩، الزركلي- الأعلام: ٦/ ٢٢٦).
١ - هو: أبو الحسن، جعفر بن عثمان بن نصر، الحاجب المعروف: بالمصحفي، الوزير، الأديب، الأندلسي، الكاتب، ولي جزيرة "ميورقة" في أيام الناصر، وتصرّف في أمور الدولة في أيام هشام المؤيد، وقوى عليه المنصور بن أبي عامر فقتله وبعث بجسده إلى أهله (سنة ٣٧٢هـ) (المقري- نفح الطيب:١/ ٢٨١ - ٢٨٦، الزركلي- الأعلام: ٢/ ١٢٥).
٢ - العلج- بالكسر- الرجل من كفّار العجم، وجمعه: علوج وأعلاج. (الزاوي- ترتيب القاموس المحيط:٣/ ٢٩١).
٣ - يقال: كرّ الفارس: عاد مرة بعد أخرى. (شيت خطاب- المصطحات العسكرية: ٢/ ٦١٨).

<<  <   >  >>