للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمّا كَانَ هَذَا مُخالفاً لما اختاره ابنُ الصلاحِ من كونِ الجرحِ المبهمِ، لا يقبلُ، وَهُوَ عينُ القولِ الرابعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: التاجُ السبكيُّ.

لَيْسَ هَذَا قولاً مستقلاً، بَلْ تحريرٌ لمحلِّ النزاعِ؛ إِذْ مَنْ لا يكونُ عالِماً بأسبابهِما لا يُقبلانِ مِنْهُ، لا بإطلاقٍ، ولا بتقييدٍ؛ لأنَّ الحُكْمَ عَلَى الشيءِ فرعُ تصوُّرِهِ.

أي: فالنِّزاعُ فِي إطلاقِ العالمِ دُوْنَ إطلاقِ غيرِهِ، وهذا إنْ سُلِّم، فَلا نُسلِّمُ أنَّ تقييدَ غَيْرِ العالمِ بِهما - أي: تفسيرَهُ لَهُمَا - لا يُقبلُ (١).

واختارَ شَيْخُنا: أنَّه إنْ لَمْ يَخْلُ المجروحُ عَنْ تعديلٍ، لَمْ يقبلِ الجرحُ فِيهِ إلا مفسَّراً، وإن خلا عَنْ ذَلِكَ، قُبل فِيهِ مُبْهَماً إذَا صَدَرَ مِن عارِفٍ؛ لأنَّه إذَا خَلا عَن ذَلِكَ، فَهُوَ فِي حَيِّزِ المَجْهولِ، وإعمالُ قولِ المجرِّح أَوْلى مِن إهمالِهِ.

قَالَ: وَمَالَ ابنُ الصَّلاحِ فِي مثلِ هَذَا إلى التوقُّف. انتهى (٢).

ثُمَّ بيَّنَ حكمَ تعارضِ الجرحِ والتعديلِ فِي راوٍ واحدٍ، فَقَالَ:

(وَقَدَّمُوا) أي: جُمْهُورُ أئمةِ الأثرِ (الجَرْحَ) عَلَى التعديلِ، وإنْ كَانَ المعدِّلُ أكثرَ عَدداً؛ لأنَّ مَعَ الجارحِ زيادةَ عِلْمٍ لَمْ يَطَّلِع عَلَيْهَا المعدِّلُ؛ ولأنَّه مصدِّقٌ لِلمُعدِّلِ فِيْمَا أَخبرَ بِهِ مِن ظاهرِ حالِهِ، ويخبرُ عَنْ أمرٍ باطنٍ خَفِيَ عَلَى المعدِّلِ (٣).

نَعَمْ، إن لَمْ يفسِّرِ الجرحَ، أَوْ قَالَ المعدِّلُ: عَرفْتُ السببَ الذي ذكرَهُ الجارحُ، لكنَّهُ تابَ مِنْهُ، قُدِّمَ التعديلُ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي الكذبِ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كَمَا سَيأتي فِي مَحَلِّهِ.

وَقَالَ ابنُ دقيقِ العيدِ فِي الأَوَّلِ (٤): الأقوى طلبُ الترجيحِ، لأنَّ كلاً مِنْهُمَا ينفي قَوْلَ الآخر.


(١) انظر: فتح المغيث ١/ ٣٣٥.
(٢) شرح النخبة: ١٩٣ - ١٩٤.
(٣) انظر: الكفاية: (١٧٧ ت، ١٠٧ هـ‍)، وجامع الأصول ١/ ١٢٨، والمحصول ٢/ ٢٠١، وطبعة العلواني ٢/ ١/٥٨٨، والإحكام ٢/ ٣١٧، وشرح التبصرة والتذكرة ٢/ ٢٨، وفتح المغيث ١/ ٣٣٦.
(٤) الاقتراح: ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>