الأرض مختلفة أشد الاختلاف. وتحول "درب التبانه" في التكبير الجديد من سحابة من المادة المتأججة، إلى تجمع وتتابع هائلين من نجوم نيرة مفردة. وتبددت السماء الآن مكتظة بالنجوم قطرات الماء في المطر، بعد أن كانت تبيدو مرصعة بها فقط، وبينما لم تر العين المجردة غلا نجوماً من الدرجة الأولى إلى السادسة في كبر الحجم، كشفت تلسكوبات هرشل عن مزيد من النجوم أضعف ضوءاً ١,٣٤٢ مرة من ألمعها. لقد بسط هرشل كما بسط جاليليو من قبل رقعة الكون المعروفة بسطاً هائلا. وإذا كان بسكال قد غشيته الرعدة أمام "لانهائية" السماوات المعروفة في زمانه، فماذا يكون شعوره أمام أعماق وراء أعماق لا آخر لها من نجوم لا تحصى، قدر هرشل بعد بعضها عن الأرض بنحو ١١. ٧٥٠. ٠٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ ميل؟ (٧٥) وكان كثير من النجوم شموساً لها كواكب تدور حولها. أما شمسنا وما يدور حولها من كواكب وأقمار، فقد هبطت بجملتها إلى مقام الذرة في عالم من الضوء.
وكان من أذكى إلماعات هرشل ما اتصل بحركة مجموعتنا الشمسية في الفضاء، فقد دلت المشاهدات السابقة على أن بعض النجوم المتصلة قد زادت أو نقصت، في الزمن المدون، من تباعدها عن بعضها البعض. فتساءل هرشل: ألا يجوز أن يكون مرجع هذا الاختلاف تحرك المجموعة الشمسية بعيداً عن النجوم الملتقية - أو صوب النجوم المفترقة، كما يبدو مصباحان على جنبين متقابلين من الطريق ملتقيين أو مفترقين حين نبتعد أو تقترب منهما؟ وقد خلص إلى المجموعة الشمسية، بحملتها، تتحرك مبتعدة عن بعض النجوم، مقتربة من نجم في برج هرقول. ونشر فرضه هذا في ١٧٨٣، ويعد شهور أذاع بيير بريفوست نظرية مشابهة. وكان فريقا الفلكيين الإنجليز والفرنسيين يعملان في تنافس غيور وتوافق وثيق.
وصف معاصر هرشل في عامه الثاني والثمانين فقال "شيخ جليل، بسيط، طيب، وبساطته، ولطفه، ونوادره، واستعداده لشرح مفاهيمه الرفيعة للكون، كلها جذابة إلى حد لا يوصف (٥٨). وفي جهوده كلها شاركت كارولين في إخلاص رائع في أي رواية خيالية. فلم تكتف