رومانسية التشرد القديمة، الحافلة بالأحداث الدائرة حول إحدى الشخصيات. ولم يعترف سمولت بأي فضل لفيلدنج، ولكنه اعترف بالفضل الكبير لسرفانتيس ولساج. وقد شده البشر وأفعالهم أكثر مما شدته الكتب والألفاظ، فحشد قصته بالأحداث وأضفى عليها نتانة الأقذار ولون الدماء، وملأها ناساً تفوح منهم رائحة الشخصية والحديث الفحل. وهذه الرواية من أقدم وأفضل مئات الروايات الإنجليزية التي كتبت عن البحر. ولكن قبل أن يجند رودريك في البحرية يختبر-كما اختبر صانعه-عينات من الفنادق الإنجليزية والأخلاق اللندنية. وما أكثر ما افتقدناه لأننا لم نجرب السفر في مركبات القرن الثامن عشر تلك والنزول في تلك الفنادق! -مسرح حافل بالأنفس المصطرعة والجنود المحتضرين، والقوادين والمومسات، والباعة الجوالين يحملون حزمهم ويخفون نقودهم، والرجال يقلبون المباول بحثاً عن الفراش الخطأ، والنساء يصرخن مستغيثات من مغتصب ثم تسكتهن النقود، وكل صعلوك يتظاهر بالعظمة، وكل إنسان يسب ويشتم. فالآنسة جني تخاطب البائع الجوال قائلة "أنت أيها الفاسق العريق في الزنا مائة في المائة" وتسأل الكابتن "لعنك الله يا سيدي، من أنت؟ ومن جعلك كابتناً أيها المتملق، القواد، كناس الخنادق الحقير؟ تباً لك! وويل للجيش إذا كان أمثالك من ضباطه (١٠٢) ".
وفي لندن يصبح رودريك (وهو هنا= سمولت) مساعداً لصيدلاني. ويفلت من الزواج حين يجد خطيبته في الفراش مع رجل آخر. "لقد أعطتني السماء من الصبر وحضور الذهن ما جعلني أنسحب فوراً، وشكرت حظي ألف مرة على هذا الكشف السعيد الذي عولت على الإفادة منه فأكف عن كل تفكير في الزواج مستقبلاً (١٠٣) " وهو يقنع بحياة الفسق، ويطلع على حياة البغايا وبلاويهن، ويعالج أمراضهن، ويندد بالدجاجلة الذين يبتزون مالهن، ويلاحظ أن المومس "مع كثرة شكوى الناس من أنها مصدر إزعاج تفلت من العقب بفضل مالها من نفوذ على القضاة، الذين تدفع لهم هي وجميع من يعملن في خدمتها تبرعات ربع سنوية لقاء حمايتهن (١٠٤) ".
ثم يفقد وظيفته لاتهامه باطلاً بالسرقة، ويتردى في مهاوي الفاقة حتى "لم أجد ملجأ ألوذ به غر الجيش والبحرية". ويعفيه من