وَالأَدبِ التِي تَحَدَّثَت عن هَذَا الاحتَلالِ. وَسَأُورِدُ فِيمَا يَلي وَاحِدَةً فَقَط مِن الرِّوَايَاتِ التَّارِيخِيَّةِ المُتَعَلِّقِةِ بِصَدَى هَذَا الاحتِلَالِ ـ وَهِي مُجَرَّدُ رِوَايةٍ مِن رِوَاياتٍ كَثِيرَةٍ أُخرَى في كُتُبِ التَّارِيخِ الإِسلَامِيِّ المَعرُوفَةِ ـ. يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ:
«وَفِيهَا [سنةِ ٤٩٢ هـ] أَخَذَت الفِرِنجُ بَيتَ المَقدِسِ ... وَذَهَبَ النَّاسُ عَلَى وُجُوهِهِم هَارِبِينَ مِن الشَّامِ إِلَى العِرَاقِ مُستَغِيثِينَ عَلَى الفِرِنجِ إِلَى الخَلِيفَةِ وَالسُّلطَانِ، مِنهُم القَاضِي أَبُو سَعِيدٍ الهَرَوِيُّ. فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ بِبَغدَادَ هَذَا الأَمرَ الفَظِيعَ هَالَهُم ذَلكَ وَتَبَاكَوا. وَقَد نَظَمَ أَبُو سَعِيدٍ الهَرَوِيُّ كَلَامًا قُرِئَ في الدِّيوَانِ وَعَلَى المَنَابِرِ، فَارتَفَعَ بُكَاءُ النَّاسِ، وَنَدبَ الخَلِيفَةُ الفُقَهاءَ إِلَى الخُرُوجِ إِلَى البِلَادِ لِيُحرِّضُوا المُلُوكَ عَلَى الجِهَادِ. فَخَرجَ ابنُ عَقِيلٍ وَغَيرُ وَاحِدٍ مِن أَعيَانِ الفُقَهَاءِ، فَسَارُوا في النَّاسِ فَلَم يُفِد ذَلكَ شَيئًا، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ. فَقَالَ في ذَلكَ أَبُو المُظَفّرِ الأَبيُوردِيُّ:
مَزَجنَا دِمَانَا بِالدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ ... فَلَم يَبقَ مِنَّا عُرضَةٌ لِلمَرَاجِم
وَشَرُّ سِلَاحِ المَرءِ دَمعٌ يُرِيقُهُ ... إِذَا الحَربُ شَبَّت نَارُهَا بِالصَّوَارِم
فَإِيهًا بَنِي الإِسلَامِ! إِنَّ وَرَاءَكُم ... وَقَائِعُ يُلحِقنَ الذُّرَى بِالمَنَاسِم
وَكَيفَ تَنَامُ العَينُ مِلءَ جُفُونِهَا ... عَلَى هَفَوَاتٍ أَيقَظَت كُلَّ نَائِم
وَإِخوَانُكُم بِالشَّامِ يُضحِى مَقِيلُهُم ... ظُهُورَ المَذَاكِي أَو بُطُونَ القَشَاعِم
تَسُومُهُمُ الرُّومُ الهَوَانَ، وَأَنتُمُ ... تَجُرُّونَ ذَيلَ الخَفضِ فِعلَ المُسَالِم
وَمِنهَا قَولُهُ:
وَبَينَ اختِلَاسِ الطَّعنِ وَالضَّربِ وَقفَةٌ ... تَظَلُّ لَهَا الوِلدَانُ شِيبَ القَوَادِم
وَتِلكَ حُرُوبٌ مَن يَغِب عن غِمَارِهَا ... لِيَسلَمَ يَقرَعُ بَعدَهَا سِنَّ نَادِم
سَلَلنَ بِأَيدِي المُشرِكِينَ قَوَاضِبًا ... سَتُغمَدُ مِنهُم في الكُلَى وَالجَمَاجِم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute