لِعَوَادِي الزَّمَانِ وَتَقَلُّبَاتِ الطَّبِيعَةِ هَذِه المُدَّةَ الطَّوِيلَةَ جِدًّا، ثُمَّ مَا وَجهُ أَن يُوضَعَ تَاجٌ استُلِبَ مِن مَلِكٍ فَارِسِيٍّ وَثَنِيٍّ في أَحدِ المَساجِدِ الثَّلاثَةِ التِي تُشَدِ إِليهَا الرِّحَالُ في الإِسلَامِ!!
لَقد قَرأَ حَسُّونُ بِالطَّبعِ رِوايَةً كَهذِهِ في إِحدَى مَخطُوطَاتِ فَضَائِلِ القُدسِ ... ـ كَمَا قَرأَ كَاتِبُ هَذهِ السُّطُورِ هذِهِ الرِّوايَةَ أَيضًا ـ، وَلكِنَّ الرِّوَايَةَ، شَأنُهَا شَأنُ رِوَايَاتٍ أُخرَى شَبِيهَةٍ لَهَا في كُتبِ الفَضائِلِ، لَا تَعدُو أَن تَكُونَ مِن قَبِيلِ الأَساطِيرِ وَالحِكَايَاتِ الشَّعبِيّةِ المُتوَارَثَةِ، وَلَا يُمكِنُ أَن تُؤخَذَ مَأخَذَ الجِدِّ وَالتَّسلِيمِ في كِتَابَةٍ رَصِينَةٍ.
وَإِذَا كَانَ كِتابٌ مُتأخِّرٌ نِسبِيًّا مِن كُتبِ الفَضائِلِ يَتحَدَّثُ عن وُجُودِ هَذِه الآثَارِ في مَسجِدِ القُدسِ، فَإِنّ كِتابًا أَقدَمُ عَهدًا مِنهُ، وَيدخُلُ في نِطاقِ كُتبِ التَّارِيخِ، قَد ذَكرَ أَنَّ قَرنَي الكَبشِ هَذينِ ـ وَيُسمِّيهِمَا قَرنَي كَبشِ إِسمَاعِيلَ لَا كَبشِ إِبرَاهِيمَ ـ قَد وُجِدَا في بِناءِ الكَعبَةِ حِينَ أَعادَ ابنُ الزُّبَيرِ بِناءَهَا ـ وَثَورَةُ ابنِ الزُّبَيرِ كَانَت بَينَ سَنَتَي ٦٦ و ٧٣ هـ ـ، ثُمّ يُضيفُ في الصَّفحَةِ نَفسِهَا التِي أَورَدَ فِيهَا خَبرَ القَرنَينِ أَنّ عَبدَ المَلكِ بنَ مَروَانَ وابنَهُ الوَلِيدَ وَالوَلِيدَ بنَ يَزيدَ قَد أَرسَلَا هَدايَا إِلَى الكَعبَةِ، مِمّا يُستَبعَدُ مَعهُ أَن يَكُونَ خُلَفاءُ الأُمَوِّيينَ هُم الذِينَ نَقلُوا أَوّلًا القَرنَينِ المَوهُومَينِ مِنَ الكَعبَةِ أَقدَسِ مُقَدَّسَاتِ الإِسلَامِ إِلَى القُدسِ، إِن كَانَ القَرنَانِ قَد وُجِدَا بِالفِعلِ في الكَعبَةِ لَدى إِعَادَةِ ابنِ الزُّبَيرِ بِناءَهَا!! أَمّا هَذَا الكِتَابُ القَديمُ فَهوَ كِتابُ (أَخبَارُ مَكَّةَ وَمَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الآثَارِ) لِأَبِي الوَلِيدِ مُحمدِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ أحمدَ الأَزرَقِيِّ (١).
(١) انظر: «أخبار مكة» للأزرقي (١/ ٢٢٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute