للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سنة سبع وتسعين، قال الذهبي في العبر: كان الجوع والموت المفرط بالديار المصرية، وجرت أمور تتجاوز الوصف، ودام ذلك إلى نصف العام الآتي، فلو قال القائل: مات ثلاثة أرباع أهل الإقليم لما بعد، والذي دخل تحت قلم الحصرية (١) في مدة اثنين وعشرين شهرا مائة ألف وأحد وعشرون ألفا بالقاهرة، وهذا نزر في جنب ما هلك بمصر والحواضر، وفي البيوت والطرقات ولم يدفن، وكله نزر في جنب ما هلك بالأقاليم. وقيل: إن مصر كان فيها تسعمائة منسج للحصر، فلم يبق إلا خمسة عشر منسجًا، فقس على هذا؛ وبلغ الفروج مائة درهم، ثم عدم الدجاج بالكلية، لولا ما جلب من الشام، وأما أكل لحوم الآدميين فشاع وتواتر، هذا كلام الذهبي (٢) .

وقال صاحب المرآة: في هذه السنة كان هبوط النيل، ولم يعهد ذلك في الإسلام إلا مرة واحدة في دولة الفاطميين، ولم يبق منه إلا شيء يسير، واشتد الغلاء والوباء بمصر، فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام، وتفرقوا وتمزقوا كل ممزق. قال: وكان الرجل يذبح ولده، وتساعده أمه على طبخه وشيه؛ وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا، وكان الرجل يدعو صديقه وأحب

الناس إليه إلى منزله ليضيفه، فيذبحه ويأكله، وفعلوا بالأطباء ذلك، وفقدت الميتات والجيف، وكانوا يخطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم، وكفن السلطان في مدة يسيرة مائتي ألف وعشرين ألفا، وامتلأت طرقات المغرب والحجاز والشام برمم الناس، وصلى إمام جامع إسكندرية في يوم واحد على سبعمائة جنازة.

قال العماد الكاتب: في سنة سبع وتسعين وخمسمائة اشتد الغلاء، وامتد الوباء وحدثت المجاعة، وتفرقت الجماعة، وهناك القوي فكيف الضعيف! ونحف السمين فكيف العجيف! وخرج الناس حذر الموت من الديار، وتفرقت فرق مصر في


(١) كذا في ح، وفي ط والأصل والعبر: "الحشرية".
(٢) العبر ٤: ٢٩٥، ٢٩٦.