للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلاتهم، وودوا أن لو كانوا من الذين هم عليها دائمون، إلى أن أذن الله في الركود، وأسعف الهاجدين بالهجود، واصبح كل ليسلم على رفيقه، ويهنئه بسلامة طريقه، ويرى أنه قد بعث بعد النفخة، وأفاق بعد الصيحة والصرخة، وأن الله قد رد له الكرة، وأدبه بعد أن كان يأخذه على الغرة. وودت الأخبار بأنها كسرت المراكب في البحار والأشجار في القفار، وأتلفت خلقا كثيرا من السفار، ومنهم من فر فلم ينفعه الفرار. إلى أن قال: ولا يحسب المجلس أني أرسلت القلم محرَّفًا، والقول مجزفا، فالأمر أعظم، ولكن الله سلم، ونرجو أن يكون الله قد أيقظنا بما وعظنا، ونبهنا بما ولهنا، فما من عباده من رأى القيامة عيانا، ولم يلتمس عليها من بعده برهانا، إلا أهل بلد يافا، اقتص الأولون مثلها في المثلات، ولا سبقت لها سابقة في المعضلات، والحمد لله الذي من فضله جعلنا نخبر عنها ولا تخبر عنا، ونسأل الله أن يصرف عنا، عارضي الحرص والغرور إذا عنا.

وفي سنة ست وتسعين، قال الذهبي، في العبر: كسر النيل من ثلاثة عشر ذراعا إلا ثلاثة أصابع، فاشتد الغلاء، وعدمت الأقوات، ووقع البلاء وعظم الخطب، إلى أن آل بهم الأمر إلى أكل الآدميين الموتى (١) . قال ابن كثير في هذه السنة والتي بعدها: كان بديار مصر غلاء شديد، فهلك الغني والفقير، وعم الجليل والحقير، وهرب الناس منها نحو الشام، ولم يصل منها إلا القليل من الفئام (٢) ، وتخطفتهم الفرنج من الطرقات، وعزوهم في أنفسهم، واغتالوهم بالقليل من الأقوات. وكان الأمير لؤلؤ أحد الحجاب بالديار المصرية (٣) يتصدق في هذا الغلاء في كل يوم باثني عشر ألف رغيف على اثني عشر ألف فقير (٤) .


(١) العبر ٤: ٢٩٠.
(٢) الفئام: الجماعة من الناس.
(٣) قال ابن كثير: "كان من أكابر الأمراء في أيام صلاح الدين، وهو الذي كان متسلم الأسطول في البحر".
(٤) ابن كثير ١٣: ٢٣، ٢٤.