لتفسير ما يسمى "تحقيق المناط" و"تخريج المناط" وكنتُ قد قدمتُ في المسلك الخامس - وهو "المناسبة" - تفسير "تخريج المناط" وذكرتُ آنفًا "تنقيح المناط"، فلم يَبْقَ إلا "تحقيق المناط"، فبينتُه هنا.
والحاصل في الفرق بين الأمور الثلاثة أن:"تخريج المناط": هو استخراج وصف مناسب يُحكم عليه بأنه عِلة ذلك الحكم.
و"تنقيح المناط": أنْ يُنَقَّى مِن الأوصاف ما يَصْلح ويُلْغَى بالدليل ما لا يَصْلح.
و"تحقيق المناط": أنْ تجيء إلى وصف دَلَّ على عِليته نَصٌّ أو إجماع أو غيرهما مِن الطُّرق ولكن يقع الاختلاف في وجوده في صورة النزاع، فتُحَقِّق وجودَه فيها.
مثاله: أن نقول: أَخْذ المال خفْيَة هو عِلة للقطع، فَنُحَقِّق وجود ذلك في النباش المتنازَع فيه في أنه يُقْطَع كالسارق أو لا.
ونحو ذلك: السكوت عِلة في البِكر للاكتفاء بسكوتها، فتُحَقِّق فيمن زالت بكارتها بغير نكاح.
وهذا معنى قولي:(فِيمَا يُوصَفُ بِالْوَصْفِ مِنْ آحَادهِ). أي: مِن المحل المتنازع فيه مِن الآحاد الموجود فيها ذلك الوصف عنده ونُوزع في وجودها فيه.
وقولي:(حُقِّقَ سِرْقَةٌ) أي: الأخذ خفْيَة؛ لأنه معنى السرقة.
نعم، هل يُشترط القَطعْ بتحقيق المناط؟ أَم يُكتفَى بالظن فيه؟
أقوال حكاها ابن التلمساني، ثالثها: الفَرق بين أن تكون العلة وصفا شرعيًّا فيُكتفَى فيه بالظن، أو حقيقيًّا أو عرفيًّا فيُشترط القَطعْ بوجوده. قال: وهذا أَعْدَل الأقوال.
ومناسبة التسمية في الثلاثة ظاهرة؛ لأنه أولًا استخرجها مِن منصوص في حُكم مِن غير نَص على عِلته، ثم جاء في أوصاف قد ذُكِرَت في التعليل فنَقَّح النَّص ونحوه في ذلك، وأخذ