للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والمراد بالانخرام أن لا يُعمل بالوصف في التعليل، لا أنَّ المصلحة التي اشتمل عليها تزول بوجود المفسدة، فيكون تَخَلّف التعليل به لِمَانِع، لا لعدم المقتضِي.

ومَن قال: (لا تنخرم) يقول: إنَّ هذا ليس بمانع. وإنما كان القول بالانخرام راجحًا؛ لأنَّ دَرْءَ الفاسد مُقَدَّم على جَلْب المصالح عند التعارُض. ويدل له أن العقلاء يعدُّون فِعل ما فيه مفسدة مُساوية لمصلحة عَبَثًا وسفهًا، كمَن سلك مَسْلكًا يُفَوِّت درهمًا ويُحَصِّل آخر مِثله أو أَقَل منه.

قلت: قد سلك الفقهاء ذلك في مسائل ولم يعدُّوه عبثًا حتى يمتنع، فقالوا: إنَّ رهن الولي ونحوه شيئًا يساوي مائة على ثمن شيء يشتريه لموليه يساوي مائتين بمائة مؤجلة جائز؛ لأنَّ ذلك الرهن إذا تلف عند المرتهن والفرض أنه لا ضمان عليه فيه يسلم له الشيء المشترى بمائة وهو يساوى مائتين، فلم يَفُت على المولى شيء. فهذا عرَّض الرهن - الذي بمائة - للتلف بحصول مائة زائدة في المبيع، إلا أنْ يُجاب بأنَ المفسدة فيه ليست محُقَّقة، بخلاف مسألتنا.

ومما رُتِّب على القول بخرم المناسبة بذلك لو كان للبلد الذي يقصده المسافر طريقان يقصر في أحدهما ولا يقصر في الآخَر، فسلك الأبعد لغير غرض، لم يَقْصر في أصح القولين؛ لأن المناسب - وهو السفر البعيد - عُورِض بمفسدة وهو العدول عن الأقرب لا لمعنى، بل كأنه حَصر قَصْده في أنْ يُفَوِّت ركعتين مِن الرباعية في مُدة ذلك. وفي معنى ذلك أنْ يدخل المسجد وقت الكراهة بقصد تحية المسجد، أو يقرأ آية سجدة في الصلاة ليسجد، أو نحو ذلك.

واعلم أن اشتراط الترجيح في تحقيق المناسبة بتحقيق المانع المعارِض مع وجود المقتضِي فلا بُدَّ له مِن الاعتراف بالمناسبة، سواء أكانت المصلحة مرجوحة أو مساوية، وإلا لكان انتفاء الحكم لِانتفاء المناسبة، لا لِوجود المانع المعارِض. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>