للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقوَّى هذا السبكي في "شرح البيضاوي"، قال: (وقد حكى الأصحاب في مسألة التترس وجهين من غير تصريح منهم باشتراط القطع، وعللوا وَجْه المنع بأن غاية الأمر أن نخاف على أنفسنا، ودم المسلم لا يباح بالخوف. وهذا تصريح بجريان الخلاف في صورة الخوف ولا قاطع. وقد يقال: إنَّ المسألة في حالة القطع مجزوم باعتبارها، والخلاف إنما هو في حالة الخوف) (١).

تنبيهان

الأول: هذه المسألة التي فيها القيود الثلاثة زعم الإمام الرازي والآمدي وجمع أنها لا بُدَّ مِن إخراجها من المصالح المرسلة التي يمنعها الشافعي وغيره، فقالوا: إن الشافعي لم يَقُل بالمرسل إلا في هذه المسألة.

ولكن الحقّ أن هذه ليست من ذلك أصلًا؛ لأنَّ "المرسَل" هو ما لم يدل دليل على اعتباره ولا إلغائه. وهذه دَلَّ الدليل فيها على الاعتبار؛ لأنَّ الكَف عن دم معصوم قد عارضه أنَّ في الكف عنه إهلاك دماء معصومة لا حَصْر لها، وربما يُسْفك الدم الذي كففنا عنه معهم.

ونحن نَعلم أنَّ الشرع يُؤْثِر حِفظ الكُلي على الجزئي، وأنَّ حِفظ أصل الإسلام عن اصطلام الكفار أَهَم في مقصود الشرع؛ فرجعت المصلحة فيه إلى حِفظ مقصود شرعي عُلِم كَوْنه مقصودًا بالنَّص أو بالإجماع، فليس هذا خارجًا مِن الأصول، لكنه لا يسمى "قياسًا" بل "مصلحة مرسلة"؛ إذ القياس إنما يكون على أصل مُعَيَّن، ولكن هذه المعاني لَمَّا كانت مقصودة عُرِفت بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال سُميت "مصلحة مرسلة".

قال الغزالى: (وإذا فَسَّرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع، فلا وجه للخلاف


(١) الإبهاج في شرح المنهاج (٣/ ١٧٨ - ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>