للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وما كان من غير العبادات كبيع ونكاح وحدود وقصاص فيجوز؛ لأنَّ الملاحظ فيها المناسبات اللائحة في مصالحها. وهذا قول الأبياري شارح "البرهان"، وزعم أنه الذي يقتضيه مذهب مالك.

المذهب الرابع: قول الغزالي واختاره البيضاوي: أنه يُعَلَّل به بثلاثة قيود:

أن يشتمل ذلك "المناسب المرسل" على مصلحة ضرورية كلية قطعية، فإنْ فات شيء من الثلاثة فلا يعتبر. فالضرورية ما يكون من الضروريات الخمس السابقة، والقطعية ما يُجْزَم بحصول المصلحة فيها، والكُلية ما تكون موجِبة لفائدة تَعُم المسلمين.

مثاله: ما لو تَتَرس الكفار حال التحام القتال بأسارى المسلمين وقطعنا بأنَّا إنْ رمينا الترس نقتل مسلمًا بلا جريمة صدرت منه، وإلا فيُقطع باستئصال المسلمين.

قال الغزالي: (فحفظ المسلمين أَقْرب إلى مقصود الشرع؛ لانا نقطع بأن الشرع يقصد تقليل القتل كما يقصد حَسْم سبيله عند الإمكان. وإذا لم نَقدر على الحسم فقد قدرنا على التقليل. فليس في معنى اجتماع هذه القيود في هذه الصورة ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم، فإنه لاْ يحل رَمْي الترس؛ إذ لا ضرورة بنا إلى أخذ القلعة.

وليس في معنى ذلك جَمْع في سفينة لو طرحوا واحدًا لَنَجوا وإلا غرقوا جميعًا؛ لأنها ليست كُلية؛ إذ يحصل بها هلاك عدد محصور، ولَعَلَّ مصلحة الدِّين في بقاء مَن طُرِح أَعْظم منها في بقاء مَن بقي في مخمصة لو أكلوا واحدًا بالقرعة لنجوا، فلا رخصة فيه. وكذا ليس في معنى ذلك ما إذا لم يُقْطَع بظفرهم، فإنها ليست قطعية، بل ظنية) (١).

نعم، قال الغزالي في "المستصفى": (إن الظن القريب مِن القطع كالقطع) (٢).


(١) المستصفى (١/ ١٧٦).
(٢) انظر: المستصفى (١/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>