الأول: هذا المذكور في الأقسام الثلاثة إنما هو في المناسب الدنيوي، أما الأخروي فكتزكية النفس ورياضتها وتهذيب الأخلاق المؤدي إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي المتوصَّل بذلك إلى رضَا الرب عز وجل.
وربما كان متعلقًا بالدارين، كإيجاب الكفارات، فإنها يحصل بها الزجر عن تَعاطي تلك الأفعال التي أوجبت التكفير، ووسيلة إلى تكفير الذنوب التي قد حصلت بفعلها.
الثاني: مِن الأمور ما يظهر رَدُّه إلى نوع مِن الأنواع المذكورة، كوجوب القصاص بالمثقل، فإنَّ ردَّه إلى الضروريات ظاهر؛ وذلك لما فيه من حفظ النفوس، وإلا لَبَادَرَ الناس إلى القتل به، بل هو أَيْسَر مِن المحدد؛ لِغَلَبَةِ وجوده.
ومنها ما يظهر أنه ليس منه، كغرز الإبرة في غير مقتل بلا ألم ولا ورم، وكإبانة فلقة من اللحم خفيفة، فيظهر أن لا يُعَلَّل به وجوب قصاص؛ إذ ليس هو من رعاية المصالح الضرورية؛ لأنه لا يُفْضِي للهلاك إلا نادرًا.
ومنها ما يحتمل أنه منه وأن لا يكون منه، كإيجاب القصاص على الجماعة بقتل الواحد، فإنه يحتمل أن يكون من الضروري؛ لئلَّا يؤدي إلى أنَّ مَن يريد قَتْل شخص، لا ينفرد به، بل يستعين بمن يشاركه. ويحتمل أن لا يكون منه؛ لاحتمال أنْ لا يوافقه مَن يريد مشاركته.
وجمن هنا تعرف مدارك الفقه في هذه الصوَر.
الثالث: هذا كله إذا كان الوصف المناسب حقيقيًّا، لكنه قد يكون إقناعيًّا، وهو ما يظن مناسبته في بادئ الرأْي، وعندما يُبحث فيه حَق البحث يظهر خلاف ذلك، كتعليل بعض الأصحاب تحريم بيع الخمر والميتة بنجاستهما، وقياس الكلب والسرجين عليهما.