وقولي:(وَهْوَ أَنْ يُعَيَّنَ الْوَصْفُ) إلى آخِره -هو تعريف لتخريج "المناط" بأنه تعيين العلة بإبداء مناسبة مع الاقتران والسلامة من القوادح.
فمعنى كونه "بإبداء مناسبة" أي: بينها وبين الحكم، فيخرج تعيين العلة بغير ذلك مما سيأتي من الطرد والشبه والدوران وغير ذلك.
وقد احترز عن ذلك ابن الحاجب بقوله:(بمجرد إبداء المناسبة من ذاته)(١).
أي: من ذات الأصل، أي: لا بنص ولا غيره من إجماع أو غيره مما ذكرنا.
وقولي:(مَعْ كَوْنِ الَاصْلِ نَفْيَ مَا سِوَاهُ) أي: لا يتحقق الاستدلال بذلك إلا مع ضميمة أنَّ الأصلَ عدمُ وصفٍ آخَر له مناسبة للحكم. ولا يُكتفَى في ذلك بقول القائس:(بحثتُ فلم أجد) وإلا لزم الاكتفاء بذلك في كل مسألة خلافية، ولا قائل به. بخلاف ما سبق في طريق السبر والتقسيم فإنه يُكتفَى بذلك؛ لأنَّ المدار هناك على الحصر؛ فاكتُفِي فيه ببحثه فلم يجد، وهنا على أنه ظفر بوصف في الأصل مناسب؛ فافترقَا.
وقولي:(بِشَرْطِ الِاقْتِرَانِ) إشارة إلى أن الاقتران مُعتبَر في كون المناسب علة، لا في كونه مناسبًا، أي: ليس قَيْدًا في ماهيته. وقد سبقت الإشارة إلى تقرير هذا المعنى.
وُيشترط أيضًا في الوصف المناسب الذي يُستخرَج بالاستنباط أن يكون خاليًا عن القوادح. وسيأتي ذكرها مفصلة.
نعم، إنْ أتى المعترِض على القائس بقادح في عِلته فطريق تصحيح عِلته أن يُجيب عنه ويردَّه بِرَدٍّ صالح بحيث يصير الوصف سالِمًا عما يقدح.
وهو معنى قولي:(إنْ لَمْ يُجِبْ) أَيِ القائس (عنها) أَيْ عن القوادح بِرَدٍّ صالح لِدَفْعِه
(١) مختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل (٢/ ١٠٨٤)، الناشر: دار ابن حزم.