فمنهم مَن منع في الأول منهما؛ للتردد بين حصول المقصود وعدمه من غير ترجيح.
وفي ثانيهما أيضًا؛ لرجحان نفي المقصود على حصوله.
ولكن الأصح -وفاقًا لابن الحاجب وغيره- الجواز؛ فإن السفر مظنة المشقة، وقد اعتُبِرَ وإنِ انتفى الظن في سفر الملك المُتَرفِّه على هيئةٍ لا مشقة فيها بمجرد احتمال المقصود.
وقال في "البديع": إن هذين الآخَرين متفق على اعتبارهما إذا كان المقصود ظاهرًا من الوصف في غالب صُوَر الجنس، وإلا فلا.
أما إذا كان المقصود فائتًا قطعًا فلا يُعتبر، خلافًا للحنفية، فيلحق عندهم النسب في ولد مَن تزوج وهو بالمشرق امرأة بالمغرب بطريق التوكيل -مع القطع بأنَّ الولد ليس منه؛ وذلك لاقتضاء الزواج ذلك في الأغلب. فعمم ذلك؛ حفظًا للنسب.
ومثله في الاستبراء جارية اشتراها بائعُها في المجلس. وجعله في "جمع الجوامع" مما يبعد فيه العلوق منه.
وينبغي أن يُقيَّد بأنْ يقارِنه احتمالٌ ما. أما إذا لم يحتمل فهو مِن المقطوع بنفيه كما ذكرناه، وإنما الاستبراء هنا للتعبد.
قولي: (وَبِـ "إخَالَةٍ" يُسَمَّى) أي: يقال في "المناسبة" أيضًا: "إخالة"، فَهُمَا اسمان مترادفان. وسُمي "إخالة"؛ لأن ذلك باعتبار النظر إليه يُخال أنه علة، أي: يُظَن.
وكذا يسمى ذلك الاستخراج (أيْ: استخراج كون ذلك علة؛ لِمَا فيه مِن المناسبة): "تخريج المناط"، مِن "نَاطَ" أيْ: تعلق. أيْ: خرج ما نِيطَ به الحكم.
فالنياط: التعلُّق. و"المناط": هو المُتَعَلَّق، كأنه استخرج مُتَعَلَّق هذا الحكم مِن أوصاف الأصل المَقِيس عليه، فَحَكَم بأنه عِلة.