كان في "جمع الجوامع" جعله قولًا مغايِرًا له، ولكن هذا عندي أجود.
الثاني مِن التعاريف للمناسب:
ما عَرَّف به البيضاوي أنه: ما يجلب للإنسان نفعًا أو يدفع عنه ضررًا.
ونحوه عبارة بعضهم: الوصف المُفْضِي إلى ما يجلب للإنسان نفعًا أو يدفع عنه ضررًا. وهو مغايِر للذي قَبْله بأنَّ هذا لم يجعل المقصود في جلب النفع ودفع الضرر نفس الوصف، بل الذي يفضي إليه الوصف، والأول جعله نفس الوصف، وكلاهما على طريقة مَن يُعَلِّل أفعال الله عز وجل بمراعاة المصالح، أي: بالنسبة للعبد؛ لِتَعَالِي الرب عن الانتفاع والضرر. وهذا بخلاف التعريف المختار كما قررناه، وهو الجاري على قول الأشعري؛ ولهذا الإمام الرازي لَمَّا ذكر هذين التفسيرين أشار إلى مَا قُلناه مِن اختلافهما باختلاف قَوْلَي الناس في تعليل أفعال الله تعالى.
الثالث: قول أبي زيد الدبوسي مِن الحنفية: إنَّ المناسب ما لو عُرض على العقول لَتَلَقَّتْهُ بالقبول.
قال صاحب "البديع": (وهو أقرب إلى اللغة)(١).
وبُنِيَ عليه الاحتجاج به على العلة في مقام المناظرة دون مقام النظر؛ لإمكان أن يقول الخصم: هذا لا يتلقاه عقلي بالقبول وليس الاحتجاج عَلَيَّ بِتَلَقِّي عقل غيري له بِأَوْلَى مِن الاحتجاج على ذلك الغَيْر بِعَدَم تَلَقِّي عقلي له بالقبول.
ومنهم مَن أجاب عن ذلك بأنه ليس الاعتبار بتلقي عقله ولا عقل مناظره فقط، بل المراد العقول السليمة والطباع المستقيمة إذا عُرِضَ عليها وتلقته، انتهض دليلًا على مُناظِرِه.
(١) بيان معاني البديع (٢/ ٧٩٤)، رسالة دكتوراة مقدمة من الطالب: صبغة الله غلام، جامعة أم القرى/ ١٤١٠ هـ.