للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فالشافعي لَمَّا حمله على الطهر، حمله لقوله - صلى الله عليه وسلم - في طلاق ابن عمر: "مُره فليراجعها حتَّى تحيض ثم تطهر". قال: "فتلك العدة التي أمر الله" (١).

وأيضًا فقال: ثلاثة (بالتاء). فلو كان المراد الحيضة، لَقال: (ثلاث قروء).

وغير ذلك مِن الأدلة.

وأبو حنيفة لَمَّا حمل على الحيض، ذَكر دليله.

فَعَلَى كل حال هو مِن المجمَل الذي بيّن بعد ذلك.

ومنها حديث أبي هريرة في "الصحيحين" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمنعن جارٌ جارَه أن يغرز خشبة في جداره" (٢).

فإنَّ الضمير في "جداره" يحتمل عوده على الغارز، أي: لا يمنعه جاره أن يفعل ذلك في جدار نفسه. وعلى هذا فلا دلالة فيه على القول القديم عندنا أنَّه إذا طلب جاره منه أن يضع خشبة في جداره المطلوب منه، وجب عليه التمكين. ونَصَّ عليه الشَّافعي في "مختصر البويطي"، وقوَّاه النووي.

ويحتمل أن يعود على الجار الآخَر، فيكون فيه دلالة على ذلك. لكن يُرجِّح الأوَّل موافقته لقاعدة العربيَّة في عَوْد الضمير إلى أقرب مذكور. وكلٌّ مِن القولين يُدَّعَى فيه أنَّه تبيّن المجمَل بالدليل على المدعَى. ولكن للقديم شروط معروفة في الفقه.

ومن الأمثلة -ولم أتعرض له في النَّظم- قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١]، فإنَّه قد استثنى مِن المعلوم ما لم يُعْلم؛ فصار الباقي محتملًا؛ فكان مجُملاً. وقد سبق ذلك في أنَّ العام بعد التخصيص حُجَّة أوْ لا، وسبق إيضاحه.


(١) سبق تخريجه.
(٢) صحيح البُخاريّ (٢٣٣١)، صحيح مسلم (رقم: ١٦٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>