به كما ترجمه البُخاريّ:"باب العِلم قبل القول والعمل؛ لقوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد: ١٩] الآية، فبدأ بالعِلم". وقد سبقه إلى هذا سفيان بن عيينة؛ إذْ لا يُتصور الإيمان مع الجهل. وأيضًا فلو لم يَعْلم الراسخون المتشابه، لم يكونوا راسخين، ولم يقع الفرق بينهم وبين الجهال.
فإن قيل: فما الحكمة في إنزال المتشابه والحاجة للعباد إنما هو البيان والهدى؟
قلت: أما على إمكان عِلمه فلأنْ يبحث عنه العلماء ويتبصروا في دقائقه وغوامضه؛ فيُؤجَروا على ذلك، وليحذروا مِن قول المشركين:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف: ٢٢]، ولمَا في الامتحان بذلك مِن ما أُعِدَّ مِن ثواب الاجتهاد كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم: ٢٧] إلى قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[الروم: ٤٥] الآية، فنبههم على أنَّ أعلى المنازل هو الثواب، فلو كان القرآن كله محُكمًا لا يحتاج لِتأويل، لسقطت المحنة وبَطُل التفضيل واستوت منازل الخلق، ولم يظهر بذلك فضل العالم على الجاهل.
وما لم يوقف على معناه إمَّا لتعذُّره -على القول باستئثار الله تعالى بعلمه- أو بعد البحث فلَم يُعْرف، فيكون الامتحان بالإيمان به.
ومن فوائده: هدم مذهب القائلين بأنه يجب على الله تعالى مراعاة مصالح العباد، كالمعتزلة.
ومنها إقامة الحجة على مَن نزل القرآن بلسانهم وهُم عاجزون عن الوقوف على ما فيه مِن السر والحكمة والبلاغة.
ومنها قوله سبحانه وتعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] فإنَّه يحتمل الحيض والطهر، لكن يتبين المراد به بالدليل من خارج.