وأما الاحتمال الثالث وهو أن تكون موضوعة للمشترك بين أفراده بقيد العدد فيُبطله أن "مفهوم العدد" أمر كلي، وكذلك "مفهوم المشترك"، فيكون المركَّب منهما كليا أيضًا، فيكون اللفظ مطلقًا، والكلام إنما هو في عموم الشمول.
وكذلك الرابع وهو القدر المشترك بقيد سلب النهاية؛ لأن المعنى يكون حينئذٍ في نحو قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الأنعام: ١٥١]: لا تقتلوا النفوس بقيد سلب النهاية؛ فينعدم الاستدلال به على ثبوت حُكمه لكل فرد.
وبهذا أيضًا يبطل الاحتمال الخامس.
ثم اختار أن صيغة العموم موضوعة للقدر المشترك مع قيد تتبعه لحُكمه في جميع موارده، قال: (فخرج بالقدر المشترك "الأعلام" كزيد وعمرو؛ لأن ألفاظها موضوعة بإزاء أمور جزئية، لا كلية، وخرج المطلق). انتهى ملخصًا.
وظاهره أنه اختراع، لكن في كلام صاحب "الحاصل" في تقسيم اللفظ إلى المطلق والعام ما [يؤخذ](١) منه كثير مما ذكر.
الرابع:
في ثبوت صيغ العموم -لمن قال بها- أدلة لا تنحصر:
فمن القرآن نحو قوله تعالى:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ}[هود: ٤٢] الآية، ففهم نوح عليه السلام العموم من قوله تعالى:{فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}[المؤمنون: ٢٧]؛ فلذلك أجيب بما يقتضي عدم دخوله في العام لمعنى أنه عمِل عملًا غير صالح، وقوله تعالى:{إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ}[العنكبوت: ٣١]، فَهِمَ منه إبراهيم