نعم، في كلامه بعد ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي أن يُطلق ذلك، بل يقال: بعض الأفراد الدلالة فيه قطعية والبعض ظنية.
وكأنه يشير إلى ما قدَّمه مِن أنه لو كانت صيغة العموم جمعًا مثلًا فتكون في أقَل الجمع قطعية وفيما زاد ظنية. وكذا قال إلْكِيَا في "تعليقِه" في الأصول، وكذا قرره المازري، لكن قال:(إن محل الخلاف فيما زاد على أقَل الجمع، أما الأقل فقطعي بلا خلاف)(١).
قلتُ: وكأنَّ هذا مُفرَّع على ما سيأتي في الباقي بعد التخصيص إذا كان العام جمعًا. ونحوه: هل يشترط أن يبقى أقَل الجمع؟ أو يجوز إلى واحد؟
وعلى كل حال فإذا كان الخلاف قائمًا، فكيف يحكي القطع في أقَل الجمع؟
وعبارة الإمام وإلْكِيَا إنما تشعر بنصوصية أقَل الجمع، فيقطع به قَطْع النصوصية، لا أنه بلا خلاف بين العلماء.
نعم، قيل: محل الخلاف ما لم تكن قرينة تقتضي قصد كل فرد، وذلك كالعمومات التي يُقطع بعمومها ولا يدخلها تخصيص، نحو:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النور: ٣٥]. وسيأتي منها طائفة وزيادة بيان في الكلام على التخصيص، وكذلك ما لا يحتمل إجراؤه على العموم، كقوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}[الحشر: ٢٠]. كذا استثناه بعض الحنفية. قال: لأن كل فرد فرد من الفريقين ليس مُعَينًا حتى يدل عليه العموم، بل ذلك كالمجمل، يجب التوقف فيه إلى بيان المراد منه.
وأنا أقول: لا يحتاج إلى هذا التقييد؛ فلذلك أطلقت في النَّظم؛ لأن الكلام في العام من الأصل، والأصل عدم القرائن على إرادة عمومه أو خصوصه.