للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أي: فكيف يكون الأمر بالصفة للندب وهو يتضمن الأمر بالموصوف إيجابا؟

قيل: قد نقل غيره عن الحنفية عكس ذلك، فنقل بعض الحنابلة ذلك عن أحمد وأصحابه؛ لأن الأمر بها لَمَّا كان أمرًا بالموصوف، كان ظاهره الوجوب فيهما، فلما دل الدليل على صرف الأمر بالصفة عن الوجوب إلى الندب، بقي الأمر بالموصوف على وجوبه.

قال: (وقد تمسك به أحمد على وجوب الاستنشاق بالأمر بالمبالغة، قال: وقالت الحنفية فيما حكاه الجرجاني: لا يبقى فيه دليل على وجوب الأصل). انتهى

وقد استُفيد منه جواز دعوى الغلط في المقالة مِن أي قائل كان لما ظهر من مدرك هذه المقالة.

نعم، حرر ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" المسألة، فقال: الأمر بالصفة إنْ كان المراد به الإيجاد فهو أمر بالموصوف، أو أنه إنْ وقع الموصوف فليكن بهذه الصفة، فلا يقتضي وجوب الموصوف.

قال: وقد يحتمل الحال الأمرين، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفشوا السلام بينكم" (١) يحتمل أن [يُراد] (٢): إنْ سلمتم فأفشوا، ويحتمل: أوجدوا الإفشاء بإيجاد السلام.

قلتُ: وعكس ذلك أن يَرِد الأمر بصفة مع موصوف ويكون الوجوب في أمر الصفة، لا في الموصوف كما قرر ذلك أصحابنا في حديث: "مَن أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجَل معلوم" (٣) أن المراد: إيجاب كون الأجل معلومًا، لا إيجاب الأجل، وإلا لكان السلم لا يجوز إلا في مكيل وموزون، لا في مذروع ومعدود.


(١) صحيح مسلم (رقم: ٥٤).
(٢) كذا في (ص)، لكن في (ض، ق): المراد.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>