ونوى: قاعدة الجولان الآن من أرض حوران من أعمال دمشق، فهو الدمشقي أيضاً، خصوصاً وقد أقام الشيخ بدمشق نحواً من ثمان وعشرين سنة، وابن المبارك رحمه الله يقول: ما أقام ببلد أربع سنين نُسب إليها.
وكان حزام " جدُّه الأعلى " نزل الجولان بقرية نوى على عادة العرب، فأقام بها، ورزقه الله تعالى ذرية، إلى أن صار منهم عدد كثير.
[مولده ونشأته]
وأما مولده ونشأته فكان في العشر الأوسط من المحرّم، سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
قلت: وهذا هو المعتمد، لكن قال الجمال الأسنوي: إنه في العشر الأول. قال اللخمي: وصح عنه أنه قال: لا أجعل في حلٍّ من لقّبني محيي الدين. ونشأ " كما صرح به الحافظ الذهبي في " سير النبلاء " في ستر وخير، انتهى.
ولما بلغ من العمر سبع سنين، كان نائماً ليلة السابع والعشرين من رمضان بجانب والده " كما ذكره لي والده " قال: فانتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبتى ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعاً فلم نرى كلّنا شيئاً. قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر.
وذكر لي وليّ الله الشيخ ياسين بن يوسف المرّاكشي قال: رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت معلّمه فوصيته به، وقلت له: إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجِّم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك. قال: فذكر المعلّم ذلك لوالده، وحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم.
قلت: وما هنا أولى من قول الذهبي: أنه بقي يتعيّش في الدكان لأبيه مده، وإن أباه كان دكّانياً بنوى، مع أنه قد لا ينافيه. وقد ذكر " أعني الذهبي " في " تاريخ الإسلام " ياسين هذا، وأشار لما تقدم، فقال: يا سين بن عبد الله المقرئ، الحجّام، الأسود، الصالح، كان له دكان بظاهر باب الجابية، وكان صاحب كشف وكرامات، وقد حج أكثر من عشرين مرة، وبلغ الثمانين. اتفق أنه سنة نيف وأربعين مرّ بقرية نوى، فرأى الشيخ محيي الدين النووي وهو صبي فتفرّس فيه النجابة، واجتمع بأبيه الحاج شرف ووصاه به وحرضه على حفظ القرآن والعلم، فكان الشيخ فيما بعد يخرج إليه ويتأدب معه ويزوره، ويرجو بركته ويستشيره في أموره، توفي في ثالث ربيع الأول سنة سبع وثمانين وستمائة، ودفن في مقبرة باب شرقي رحمه الله. وقد أخبر بموت النووي وقال: أين تختار أن يموت؟ عندكم أو في دمشق؟ ويقال: أنه قتله بالحال لأمر، ثم ندم، انتهى كلام الذهبي. وفيه أيضاً مخالف لكلام ابن العطار، وإن كان يمكن الجمع بينهما بأن الشيخ ياسين بعد أن أخبر المعلّم شافه بذلك والده أيضاً، وأما قوله: ويقال: إنه قتله بالحال فمنكر، وقد استبعده التقي ابن قاضي شهبة حيث قال: وهذا بعيد جداً أن يقع أن مثل النووي يقع منه ما يوجب أن ولي الله يتغير عليه حتى يصل إلى قتله، وبعيد من الولي أيضاً قتل مثل النووي، قال: وإنما هذه " يعني على تقدير الصحة " نزعة شيطانية نعوذ بالله من ذلك، انتهى.
[انتقاله إلى دمشق]
قال الشيخ: فلما كان عمري تسعة عشر سنة قدم بي والدي في سنة تسع وأربعين إلى دمشق، فسكنت المدرسة الرّواحية.
قلت: واستمر بها حتى مات، لم ينتقل منها حتى ولا بعد ولايته الأشرفية، كما قال التاج السَّبكي في " الطبقات الوسطى " قال: وبيته فيها بيت لطيف عجيب الحال. قال اليافعي: وسمعت إنما اختار الإقامة بها على غيرها لحلِّها، انتهى.
قال: وبقيت نحو سنتين لا أضع جنبي بالأرض، وأتقوّت بجراية المدرسة لا غير.
قلت: بل كان يتصدق منها أيضاْ كما قال اللخمي، قال: ثم ترك تعاطيها، انتهى.
وحفظتُ " التنبيه " في نحو أربعة أشهر ونصف.