ورأى ابن الجوزي عدم التعارض، وأن ما فعله - صلى الله عليه وسلم - بهم من سَمْلِ الأعين ليس من المثلة، بل كان من باب القصاص، لأنهم فعلوا ذلك بالراعي. ففي رواية لمسلم وغيره عن أنس أنه قال:"إنما سمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة".
وقول ابن الجوزي هذا حسن، وهو من باب الجمع بين الحديثين بحمل كل منهما على حال. فالمثلة المنهي عنها ما كان على سبيل التشفّي، بأن نفعل بالقاتل ما لم يفعله بالمقتول. أما إن فعل بالمقتول شيئاً كقلع العين أو قطع الأذن أو غير ذلك مما فيه القصاص، جاز أن يفعل به مثله، لقوله تعالى:{والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}(١).
المثال الثالث: حديث الفضل بن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من أصبح جنباً فلا صوم له.
وحديث عائشة وأم سلمة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم.
١ - التاريخ مجهول.
٢ - القول عام لنا وله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً.
٣ - الدليل قائم على تكرر مقتضى القول، لأن الحكم معلق بشرط.
فظاهر ما تقدم حمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على الخصوصية، ويعمل في حق الأمة بالقول. وقد ذهب إلى هذا قوم. وينبغي أن يردّ ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرخص له في باب القرب بشيء مما يقتضيه التعظيم، بل هو أولى بتعظيم شعائر الله، كما تقدم في فصل الخصائص من الباب الأول.
فقد حصل التعارض، والذي ينبغي حسب القانون السابق تقديم القول.
ولكن الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء تقديم الفعل وهو يجري على أحد وجهين: