يَتَقَاتَلُونَ، فَتَقُولُ أَنْتَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: ٩٤] وَلَمْ تَحْفَظْ وَصِيَّتِي حِينَ قُلْتُ لَكَ: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي، وَأَصْلِحْ أَيِ ارْفُقْ بِهِمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُوسَى عَلَى السَّامِرِيِّ.
[٩٥] {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ} [طه: ٩٥] أي مَا أَمْرُكَ وَشَأْنُكَ؟ وَمَا الَّذِي حملك على ما صنعت؟ {يا سَامِرِيُّ} [طه: ٩٥]
[٩٦] {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه: ٩٦] رَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْا وَعَرَفْتُ مَا لَمْ يَعْرِفُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مَا لَمْ تَبْصُرُوا بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: ٩٦] أَيْ مِنْ تُرَابِ أَثَرِ فَرَسِ جبريل، {فَنَبَذْتُهَا} [طه: ٩٦] أَيْ أَلْقَيْتُهَا فِي فَمِ الْعِجْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا خَارَ لِهَذَا لِأَنَّ التُّرَابَ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عَرَفَهُ وَرَأَى جِبْرِيلَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ أُمَّهُ لَمَّا وَلَدَتْهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا الْبَنُونَ وَضَعَتْهُ فِي الْكَهْفِ حَذَرًا عَلَيْهِ فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ لِيُرَبِّيَهُ لِمَا قَضَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ. {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ} [طه: ٩٦] أي زينت، {لِي نَفْسِي} [طه: ٩٦]
[٩٧] {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ} [طه: ٩٧] أَيْ مَا دُمْتَ حَيًّا، {أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه: ٩٧] أَيْ لَا تُخَالِطْ أَحَدًا وَلَا يُخَالِطْكَ أَحَدٌ وَأَمَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يُخَالِطُوهُ وَلَا يَقْرَبُوهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا مساس لك ولولدك، والمساس مِنَ الْمُمَاسَّةِ مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَصَارَ السَّامِرِيُّ يَهِيمُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ الْوُحُوشِ وَالسِّبَاعِ لَا يَمَسُّ أَحَدًا وَلَا يَمَسُّهُ أحد، فعاقبه اللَّهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا يَقُولُ: لَا مِسَاسَ، أَيْ لَا تَقْرَبْنِي وَلَا تَمَسَّنِي، وَقِيلَ: كَانَ إِذَا مَسَّ أَحَدًا أَوْ مَسَّهُ أَحَدٌ حُمَّا جَمِيعًا حَتَّى أَنَّ بَقَايَاهُمُ الْيَوْمَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَإِذَا مَسَّ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حُمَّا جَمِيعًا فِي الوقت، {وَإِنَّ لَكَ} [طه: ٩٧] يا سامري، {مَوْعِدًا} [طه: ٩٧] لعذابك، {لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه: ٩٧] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: لَنْ تُخْلِفَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ وَلَا مَذْهَبَ لَكَ عَنْهُ بَلْ تُوَافِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ لَنْ تُكَذِّبَهُ وَلَنْ يُخْلِفَكَ اللَّهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُكَافِئُكَ عَلَى فِعْلِكَ وَلَا تفوته، {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: ٩٧] بِزَعْمِكَ، {الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: ٩٧] أَيْ ظَلْتَ وَدُمْتَ عَلَيْهِ مُقِيمًا تَعْبُدُهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ظَلْتُ أَفْعَلُ كَذَا بِمَعْنَى ظَلَلْتُ ومستُ بِمَعْنَى مسستُ، وقرأ أَبُو جَعْفَرٍ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِحْرَاقِ، {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ} [طه: ٩٧] لنذرينه، {فِي الْيَمِّ} [طه: ٩٧] في البحر، {نَسْفًا} [طه: ٩٧] رُوِيَ أَنَّ مُوسَى أَخْذَ الْعِجْلَ فَذَبَحَهُ فَسَالَ مِنْهُ دَمٌ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ لَحْمًا وَدَمًا ثُمَّ حَرَّقَهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ ذَرَاهُ فِي الْيَمِّ، قَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: لَنَحْرُقَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ لَنَبْرُدَنَّهُ بِالْمِبْرَدِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِبْرَدِ الْمُحْرِقُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ. أَخَذَ مُوسَى الْعِجْلَ فَذَبَحَهُ ثُمَّ حَرَّقَهُ بِالْمِبْرَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute