للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الأرض، {وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} [طه: ٤] يَعْنِي الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ وَهِيَ جَمْعُ العليا كقولهم كبرى وَصُغْرَى وَصُغَرُ.

[٥] {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]

[٦] {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [طه: ٦] يَعْنِي الْهَوَاءَ، {وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: ٦] والثرى هو التراب الندي.

[٧] {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} [طه: ٧] أَيْ تُعْلِنْ بِهِ {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧] قال الحسن: السر ما أسره الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَخْفَى مِنْ ذَلِكَ مَا أَسَرَّ مِنْ نَفْسِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: السِّرُّ مَا تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ وَأَخْفَى مِنَ السِّرِّ مَا يُلْقِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِكَ مِنْ بَعْدُ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّكَ سَتُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ بِهِ الْيَوْمَ وما تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ بِهِ غَدًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا أَسْرَرْتَ الْيَوْمَ وما تسر به غدا. قال ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: السِّرُّ مَا أَسَرَّ ابْنُ آدم في نفسه، والخفي مَا خَفِيَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فاعله قبل أن يعمله.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: السِّرُّ: الْعَمَلُ الَّذِي تسره مِنَ النَّاسِ، وَأَخْفَى: الْوَسْوَسَةُ. وَقِيلَ: السِّرُّ هُوَ الْعَزِيمَةُ وَأَخْفَى مَا يَخْطُرُ عَلَى الْقَلْبِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى أَيْ يَعْلَمُ أَسْرَارَ الْعِبَادِ، وَأَخْفَى سِرَّهُ مِنْ عِبَادِهِ فَلَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ وَحَّدَ نَفْسَهَ، فَقَالَ:

[٨] {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: ٨]

[٩] {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: ٩] أَيْ قَدْ أَتَاكَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التقرير.

[١٠] {إِذْ رَأَى نَارًا} [طه: ١٠] وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى اسْتَأْذَنَ شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ لِزِيَارَةِ وَالِدَتِهِ وَأُخْتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَكَانَتْ أيام الشتاء فَسَارَ فِي الْبَرِيَّةِ غَيْرَ عَارِفٍ بِطُرُقِهَا، فَأَلْجَأَهُ الْمَسِيرُ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْغَرْبِيِّ الْأَيْمَنِ فِي لَيْلَةٍ مظلمة مثلجة شديدة البرد فَأَبْصَرَ نَارًا مِنْ بَعِيدٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: ١٠] أَقِيمُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ ههنا وفي القصص، {إِنِّي آنَسْتُ} [طه: ١٠] أَيْ أَبْصَرْتُ، {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: ١٠] قطعة مِنْ نَارٍ، وَالْقَبَسُ قِطْعَةٌ مِنَ نار يأخذها في طرف عمود {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: ١٠] أَيْ أَجِدُ عِنْدَ النَّارِ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الطَّرِيقِ.

[١١] {فَلَمَّا أَتَاهَا} [طه: ١١] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِي رَآهُ مُوسَى نَارًا بَلْ كَانَ نُورًا ذُكِرَ بِلَفْظِ النَّارِ لِأَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ نَارًا. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ نُورُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ النَّارُ بِعَيْنِهَا وَهِيَ إِحْدَى حُجُبِ اللَّهِ تَعَالَى، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «حجابه النار لو كشفها الله لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إليه بصره من خلقه» (١) {نُودِيَ يا مُوسَى} [طه: ١١]

[١٢] {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: ١٢] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو، " أَنِّي" بِفَتْحِ الْأَلِفِ عَلَى مَعْنَى: نُودِيَ بِأَنِّي، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ أَيْ نُودِيَ، فقيل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [طه: ١٢] أي المطهر، {طُوًى} [طه: ١٢] وطوى اسم الوادي وَقَالَ الضَّحَّاكُ: طُوًى وَادٍ مُسْتَدِيرٌ عَمِيقٌ مِثْلُ الطَّوِيِّ فِي اسْتِدَارَتِهِ.

[قوله تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى. . . .]

[١٣] {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه: ١٣] اصْطَفَيْتُكَ بِرِسَالَاتِي، قَرَأَ حَمْزَةُ وَأَنَّا مُشَدَّدَةَ النُّونِ، اخْتَرْنَاكَ عَلَى التَّعْظِيمِ {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: ١٣] إِلَيْكَ.

[١٤] {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤] وَلَا تَعْبُدْ غَيْرِي، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِتَذْكُرَنِي بها، وقال مقاتل: إذا تركت صلاة ثم ذكرتها، فأقمها.

[١٥] {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: ١٥] قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أخفيها وأكاد صِلَةٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: مَعْنَاهُ أكاد أخفيها من نفسي وذكر


(١) أخرجه مسلم في الايمان برقم (١٧٩) ١ / ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>