وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده، فأعطاه بها ثمناً، فانطلق معه ليفتح حانوته، فيعطيه الذي طلب، والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحائط فقال: أيقظه. فقال: إني أكره أن أروعه من نومه، فانصرفا، فأعطاه ضعف ما أعطاه، فعطف على أبيه، فإذا هو أشد ما كان نوماً. فقال: أيقظه. قال: لا والله لا أوقظه أبداً ولا أروعه من نومته. قال: فلما انصرف وذهب طالب السلعة استيقظ الشيخ فقال له ابنه: يا أبتاه! لقد جاء ها هنا رجل يطلب سلعة كذا وكذا فكرهت أن أروعك من نومك. فلامه الشيخ، فعوضه الله من بره بوالده إذ نتجت بقرة من بقرة تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل، فأتوه فقالوا: بعناها. فقال: لا أبيعكموها. قالوا: نأخذها منك. قال: إن غصبتموني سلعتي فأنتم أعلم. فأتوا موسى فقال: اذهبوا فأرضوه من سلعته. فقالوا: فقالوا: حكمك. قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان وتضعوا ذهباً صامتاً في الكفة الأخرى، فإذا مال الذهب أخذته. ففعلوا، أقبلوا بالبقرة إلى قبر الشيخ وهو بين المدينتين، واجتمع أهل المدينتين، وابن أخيه عند قبره يبكي، فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر فقام الشيخ ينفض رأسه يقول: قتلني ابن أخي، طال عليه عمري فأراد أخذ مالي. ومات.
وقيل: إنهم اشتروا البقرة بملء جلدها إذا سلخت ذهباً قباعها إياهم، فذبحوها ثم قالوا: قد ذبحناها يا موسى! قال: فخذوا عضواً منها فاضربوه به. قال الحسن: أخذوا عضد البقرة فضربوه فقام وأوداجه تشخب دماً، فسألوه: من قتلك؟ فقال: فلان وفلان ابنا أخيه فمات.
وقيل: إنهم أعطوه ملء مسكها ذهباً من مال القتيل، فاستغلق المال كله، فحرمهم الله ميراثه فجرت السنة بهن لا يرث وارث إن قتل. فقال ابنا أخيه: ما قال إنا قتلناه. فأنزل الله على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخير ما قالوا وما كان من أمرهم. فقال " وإذ قتلتم نفساً " إلى قوله " لعلكم تعقلون "، ونزلت فيما قالا: ما قال إنا قتلناه " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة " يعني من بعد ما رأيتم العبرة فهي " أشد قسوة " من الحجارة.