لا تؤذي الشيخ، فزجرني الفضيل وصاح علي وقال لي: يا فيض، أما علمت أن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم؟ فاحذروا أن تملوا النعم فتحول نقماً؛ ألا تحمد ربك أن جعلك موضعاً تسأل ولم يجعلك موضعاً تسأل!.
قال أبو نصر بشر بن الحادث: كتب أبو رجاء الذي كان بمكة إلى فضيل يستقرض دراهم، قال أبو نصر: بعث مسكينٌ إلى مسكين. قال: ولم يكن عند فضيل إلا بعير له يعمل عليه، فأمر ابنه أن يبيعه ثم يبعث إلى أبي رجاء بنصف ثمنه ويأتيه بالنصف الآخر.
قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول وقد سأله رجلٌ فقال: يا أبا علي، أحب أن تصف لي كيف كان ... في المؤاخاة؟ فقال الفضيل: هيهات! كالمتعجب، دعني. وأين المؤاخاة. ثم قال الفضيل: إن كان الرجل ليحفظ ولد أخيه من بعد موته يتعاهدهم أربعين خمسين سنة عمره كله، يأتي أهله فيقوم على بابه فيقول: هل لكم من حاجة؟ تريدون شيئاً؟ عندكم دقيق؟ عندكم سويق؟ عندكم زيت؟ عندكم حطب؟ عندكم كذا؟ حتى يسألهم عن الكسوة، فيقولون: نعم. فيقول: أروني. فإن كان عندهم وإلا اشترى لهم. وربما اشترى لهم الخادم بخمس مئة درهم فيقول: خذوا هذه تخدمكم. وأحدهم اليوم تطلب إليه الحاجة فما يقضيها، ويغضب حتى كأنه أذنب إليه ذنباً. ويعادي ويقاطع، فإذا هو قضاها أفسدها بمن أو تطاول. وأنت لو طلبت منك عشرة دراهم لشق عليك، نعم والله، ودرهم لو طلب منك لشق عليك.
وقال الفضيل: يزعم الناس أن الورع شديد، وما ورد علي أمران إلا أخذت بأحداهما، فدع ما يريبك إلى مالا يريبك.