صاحب الروم، وكان اليهود تحت يديه، فقيل له: إنه كان في مملكتك رجلٌ عدا عليه بنو إسرائيل فصلبوه، وهم يعذبون أصحابه، وكان يخبرهم أنه رسول الله قد أراهم العجائب، وأحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأسقام، وخلق لهم من الطين كهيئة الطير. فبعث ملك الروم إلى الحواريين فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن دين عيسى فأخبروه، فبايعهم على دينه، واستنزل الذي صلب فغيبه، وأخذ خشبه الذي كان صلب عليها فأكرمها وطيبها، وعدا على اليهود فقتل منهم مقتلةٌ عظيمة، فمن هنالك يعظم النصارى الصلبان، ومن هنالك صار جل أهل النصرانية بالروم، وملك الحواريون بعد ذلك وذلت اليهود وظهرت النصرانية، وملك يحيى بن زكريا وشمعون والحواريون ومن بايعهم. وكان يقال لشمعون: صخرة الإيمان، وكان رجلاً بكاءً إذا جلس مجلساً فإنما هو باك وجلساؤه يبكون، وكان يحيى بن زكريا رجلاً صحاكاً بساماً، إذا جلس لم يزل ضاحكاً وأصحابه يضحكون فقال لهم يوماً شمعون: سبحان الله يا بن زكريا؟ ما أكثر ضحكك في الحق والباطل! فقال يحيى: سبحان الله يا شمعون! ما أكثر بكاءك في الحق والباطل! لقد عنيت نفسك وعنيت جلساءك! قال: فجاء من الله أن أحب سيرة الرجلين إلى سيرة يحيى بن زكريا.
وعن وهب بن منبه أن عيسى لما رفع اجتمعت بنو إسرائيل من آمن منهم بعيسى فقالوا: ننظر في أمرنا؛ فانطلق إبليس فدعا عفاريته، فاجتمعوا إليه فأخبرهم بالذي يريد بنو إسرائيل فقال: إنا وجدنا منهم فرصة، قال: فاختار عفريتين فأمرهما بما يريد، ثم انطلقوا حتى دخلوا على بني إسرائيل في مجمعهم الذي اجتمعوا فيه، فأمر صاحبيه فجلس كل واحدٍ منهما ناحية، وجلس إبليس ناحية، فلما فرغ بنو إسرائيل من بعض ما هم فيه قام أحد صاحبيه بهيئة حسنة في هيئة عبادهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله قد أكرمكم واختاركم على خلقه بأن نزل من السماء، فكان بين أظهركم ما شاء أن يكون، ثم عاد إلى سماواته، فاشكروه بما صنع إليكم. ثم جلس، فقام الآخر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها المتكلم! لا أعلم متكلماً يتكلم بكلامٍ أحسن من كلامك! ولا أرفق ولا أوفق ولا أقرب من كل خير! غير أنك زعمت أن عيسى هو الله وأنه نزل من السماء بين أظهرنا، وإن الله لا يزول من مكانه ولكن