للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت: قلت له: إني أرجو أن أتّعظ. قال: إذن أخبرك. قال: إني نظرت إليّ فوجدتني قد وليت هذه الأمّة صغيرها وكبيرها، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضّائع، والفقير المحتاج، والأسير المفقود، وأشباههم، في أقاصي البلاد وأطراف الأرض فعلمت أن الله سائلي عنهم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجيجي فيهم، فخفت أن لا يثبت لي عند الله عذر ولا يقوم لي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجّة، فخفت على نفسي خوفاً دمع له عيني، ووجل له قلبي؛ فأنا كلّما ازددت لهذا ذكراً ازددت منه وجلاً، وقد أخبرتك فاتّعظي الآن أو دعي.

عن سليمان بن داود؛ أن عمر بن عبد العزيز قال لبنيه: أتحبّون أن أولّي كلّ رجل منكم جنداً، فينطلق تصلصل به جلاجل البريد؟ فقال له ابنه ابن الحارثيّة: لم تعرض علينا ما لست صانعه؟ فقال عمر: إني لأعلم أن بساطي هذا يصير إلى البلى، وإني لأكره أن تدنّسوه بخفافكم، فكيف أقلّدكم ديني تدنّسوه في كلّ جند؟! حدّث مالك: أن عمر بن عبد العزيز قام في النّاس وهو خليفة على المنبر يوم الجمعة، فقال: يا أيّها النّاس، إني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم، فمن أصابه مظلمة من عامله فلا آذن له عليّ، ومن لا فلا أرينّه؛ وإني والله لئن منعت نفسي وأهل بيتي هذا المال وضننت به عنكم إني إذاً لضنين؛ ولولا أن أنعش سنّةً أو أعمل بحقّ ما أحببت أن أعيش فواقاً.

قال ابن عائشة: كتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه: أمّا بعد؛ فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نرمّها به. فوقّع في كتابه: أمّا بعد؛ فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظّلم، فإنه مرمّتها، والسّلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>