لعمري لموت لا عقوبة بعده ... لدي اللب أشفى من شقاً لا يزايله.
فعرف الناس أنه لا يعطيهم شيئاً وأفرحهم بذلك.
قالوا: ولما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته، وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله تعالى، قال: اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب، وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني، وأرسل إلى علي وطلحة والزبير، وعدة أن ادنوا، فاجتمعوا وأشرف عليهم، فقال: أيها الناس اجلسوا فجلسوا جميعاً المحارب والطارئ والمسالم المقيم، فقال: يا أهل المدينة، إني أستودعكم الخلافة من بعدي، إني والله لا أدخل علي أحداً بعد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاءه، ولأدعن هؤلاء وما رأوا، وإني غير معطيهم شيئاً يتخذونه عليكم دخلاً في دين أو دنيا، حتى يكون الله هو الصانع في ذلك ما أحب. وأمر أهل المدينة بالرجوع، وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمداً وابن الزبير وأشباهاً لهم، فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم، وثاب إليهم أناس، ولزم عثمان الدار.
وكان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين، فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه، فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشام، ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء، وقد كان يدخل عليه بالشيء مما يريد، وطلبوا العلل، فلم تطلع عليهم علة، فعثروا، فرموا في داره بالحجارة ليرموا، فيقولوا: قوتلنا وذلك ليلاً فناداهم: ألا تتقون الله! أما تعلمون أن في الدار غيري! قالوا: لا والله ما رميناك، قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله، قال: كذبتم، إن الله لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئونا، وأشرف عثمان على آل حزم، وهم في جيرانه، فسرح ابناً لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم على أن ترسلوا إلينا بماء فافعلوا، وإلى طلحة الزبير وإلى عائشة وأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أولهم إنجاداً له علي وأم حبيبة، جاء علي في الغلس فقال: يا أيها