للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزخرف ونجد، وغره المال والولد، أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى، ألم يكونوا أكثر منكم أموالا، وأبعد منكم آمالا، وأطول منكم آجالا، طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية، كلا بل هو الله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود، ثم أنشأ يقول: من مجزوء الكامل

في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر

لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر

أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر

قال: ثم جلس، فقام رجل من الأنصار بعده كأنه قطعة جبل، ذو هامة عظيمة وقامة جسيمة، قد دوم عمامته وأرخى ذؤابته، منيف أنوف، أشدق، حسن الصوت، فقال: يا سيد المرسلين، وصفوة رب العالمين، لقد رأين من قس عجباً، وشهدت منه مرغباً، فقال: وما الذي رأيته منه وحفظته عنه؟ فقال: خرجت في الجاهلية أطلب بعيراً لي شرد مني أقفو أثره، وأطلب خبره في تنائف ذات دعادع وزعازع ليس للركب فيها مقيل، ولا لغير الجن سيبل، وإذا بموئل مهول في طود عظيم، ليس به إلا البوم، وأدركني الليل فولجته مذعوراً لا آمن فيه حتفي، ولا أركن لغير سيفي. فبت بليلٍ طويل كأنه بليلٍ موصول، أرقب الكوكب، وأرمق الغيهب، حتى إذا عسعس الليل، وكاد الصبح أن يتنفس هتف بي هاتف: من الرجز

يا أيها الراقد في الليل الأحم ... قد بعث الله نبياً في الحرم

من هاشم أهل الوفاء والكرم ... يجلو وجنّات الدياجي والبهم

قال: فأدرت طرفي فما رأيت له شخصاً، ولا سمعت له فحصاً، وأنشأت

<<  <  ج: ص:  >  >>