وأجاج وعذب، كأني أنظر إليه، والعرب بين يديه، يقسم بالرب الذي هو له ليبلغن الكتاب أجله، وليوفين كل عامل عمله. ثم أنشأ يقول: من الخفيف
هاج للقلب من جواه ادكار ... وليالٍ خلالهن نهار
ونجوم يحثها قمر اللي ... ل وشمس في كل يومٍ تدار
ضوؤها يطمس العيون وإرعا ... دٌ شديدٌ في الخافقين مطار
وغلامٌ وأشمطٌ ورضيعٌ ... كلهم في التراب يوماً يزار
وقصورٌ مشيدةٌ حوت الخي ... ر وأخرى خلت فهي قفار
وكثيرٌ مما تقصر عنه ... جوسة الناظر الذي لا يحار
والذي قد ذكرت دل على الل ... هـ نفوساً لها هدىً واعتبار
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلك يا جارود، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل له أورق، وهو يتكلم بكلام مؤنق ما أظن أني احفظه فهل فيكم يا معشر المهاجرين والأنصار من يحفظ لنا منه شيئاً؟ فوثب أبو بكر الصديق رضي الله عنه قائماً فقال: يا رسول الله، إني أحفظه، وكنت حاضراً ذلك اليوم بسوق عكاظ حين خطب فأطنب، ورغب ورهب وحذر وأنذر، وقال في خطبته: أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت أت، مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وآباء وأمهات، وأحياء وأموات، جميعٌ وأشتات، وأنات بعد أنات إن في السماء لخبرا، إن في الأرض لعبرا، ليلٌ داج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات رتاج، وبحار ذات أمواج، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا، أقسم قس قسماً حقاً لا حانثاً فيه ولا أثماً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ونبياً قد حان حينه، وأظلكم أوانه، وأدرككم إبانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه. ثم قال: تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية، يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد، وأين المريض والعواد، وأين الفراعنة الشداد، أين من بنى وشيد،