الموت بغتة وهم لا يشعرون، وكيف انتزع أرواحهم العزيزة وهم في غفلة نائمون، عوضهم موحشات القبور، بعد منتزهات القصور، وصنع بهم الدود مستبشع الأمور، وتراكيبهم المعتدلة أمالها، ومفاصلهم المتصلة أزالها، وعيونهم المليحة أطفأ نورها وأحالها، ووجوههم الصبحية المليحة غيرها، وألسنتهم الفصيحة أسكتها وقطعها، وشعورهم الحالكة مزقها، وأبدانهم الناعمة لعب البلاء بها وفرقها، يتمنون الرجوع إلى الدنيا وهيهات لهم الرجوع، ويودون أن يردوا ليستدركوا ما يقدرون عليه من التوبة والنزوع، فلو سألتهم عما وصلوا إليه من الأحوال، لقالوا قد لقينا الشدائد والقلاقل والأهوال، ولقد حوسبنا على الدقيق والجليل من الأعمال، فلم نفقد من أعمالنا قليلا ولا كثيرا ولم نجد لنا شافعا ولا وليا ولا نصيرا، فيا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله، ويا ندامتنا على ما تجرأنا عليه من محارم الله، ويا شقاءنا من العذاب الدائم، ويا فضيحتنا من الحزن والخزي المتراكم، لقد جاءتنا الآيات والنصائح فرددناها، ولقد توالت علينا النعم من ربنا فما شكرناها، ولقد قدمنا الدنيا على الآخرة وآثرناها، فالآن أصبحنا بأعمالنا مرتهنين، وعلى ما قدمت أيدينا من الجرائم نادمين. {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ}[الشعراء: ٢٠٥] الآيات. بارك الله لي ولكم.