أن يتبعوهم على دينهم، بل قد يصرحون بأنا نصرنا عليكم بذنوبكم، وأن لو اتبعتم دينكم لم ننصر عليكم.
وأيضا فلا عاقبة لهم، بل الله يهلك الظالم بالظالم، ثم يهلك الظالمين جميعا، ولا قتيلهم يطلب بقتله سعادة بعد الموت، ولا يختارون القتل ليسعدوا بعد الموت.
فهذا وأمثاله مما يظهر الفرق بين انتصار الأنبياء وأتباعهم، وبين ظهور بعض الكفار على المؤمنين، أو ظهور بعضهم على بعض، ويبين أن ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته على أهل الكتاب: اليهود والنصارى، هو من جنس ظهورهم على المشركين: عبدة الأوثان، وذلك من أعلام نبوته ودلائل رسالته، ليس هو كظهور بخت نصر على بني إسرائيل، وظهور الكفار على المسلمين.
وهذه الآية مما أخبر به موسى، وبين أن الكذاب المدعي للنبوة لا يتم أمره، وإنما يتم أمر الصادق.
فإن من أهل الكتاب من يقول: محمد وأمته سُلِّطوا علينا بذنوبنا مع صحة ديننا الذي نحن عليه، كما سُلِّط بخت نصر وغيره من الملوك.
وهذا قياس فاسد، فإن بخت نصر لم يَدَّع نبوة، ولا قاتل على دين، ولا طلب من بني إسرائيل أن ينتقلوا عن شريعة موسى إلى شريعته، فلم يكن في ظهوره إتمام لما ادعاه من النبوة ودعا إليه من الدين، بل كان بمنزلة المحاربين قطاع الطريق إذا ظهروا على القوافل، بخلاف من ادعى نبوة ودينا، ودعا إليه، ووعد أهله بسعادة الدنيا والآخرة، وتوعد مخالفيه بشقاوة الدنيا والآخرة، ثم نصره الله، وأظهره، وأتم دينه، وأعلى كلمته، وجعل له العاقبة، وأذل مخالفيه.
فإن هذا من جنس خرق العادات المقترن بدعوى النبوة، فإنه دليل عليها.
وقد تغرق في البحر أمم كثيرة، فلا يكون ذلك دليلا على نبوة نبي، بخلاف غرق فرعون وقومه فإنه كان آية بينة لموسى.