للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خلاف بين العلماء في وجوب توجيه اليمين إلى المدعى عليه المنكر إذا طلبها المدعي عند عجزه عن إثبات دعواه، أو تنازله عن تقديم البينة، واستدلوا له بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" (١).

وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على وجوب توجيه اليمين إلى المدعى عليه؛ فإنهم اختلفوا في اعتبار اليمين طريقًا من طرق القضاء على قولين:

القول الأول: أن اليمين طريق من طرق القضاء، ينقضي بأدائها الحق وتقطع الخصومة، فإذا وجه المدعي اليمين إلى المدعى عليه وحلف، ردت الدعوى، وذلك لأن المدعي بتوجيهه اليمين إلى المدعى عليه قد تنازل عما سواها من الأدلة. وينبني عليه أنه إذا أقام المدعى بينة على ما حلف عليه المدعى عليه المنكر لم تسمع، وهذا هو مذهب الظاهرية، والإمامية، وبعض القضاة من السلف، ووافقهم المالكية على ذلك في المشهور عندهم، لكن المالكية اشترطوا لذلك أن يكون المدعي على علم بهذه البينة وقت حلف المدعى عليه، وأنها كانت حاضرة أو غائبة غيبة قريبة، كالثمانية أيام ونحوها ذهابًا وإيابًا.

أما أن كان المدعى غير عالم وقت الحلف، أو كان عالمًا بها لكنها كانت غائبة غيبة بعيدة، فله القيام بها، ويجب على القاضي سماعها والحكم بموجبها، والقول قوله في نفي العلم مع يمينه.

وينطبق نفس الحكم أيضًا على ما إذا كانت البينة حاضرة وقت الحلف ونسيها (٢).


(١) سبل السلام، الصنعاني، ٤/ ١٣٢، وروي مثله بألفاظ مختلفة عنه - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، ٧/ ٢٤٠ - ٢٤١، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، ٤/ ٢٣٢، والفواكه الدواني، النفراوي، ٢/ ٢٢٣، وشرائع الإسلام، المحقق الحلي، مطبعة دار مكتبة الحياة، بيروت، ٢/ ٢١٢، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين الزيلعي، ٤/ ٢٩٦، والمحلى، ابن حزم، ٩/ ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>