وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية (١)، فإن رواة العلوم كثر، ورعاتها قليل، ورب (٢) حاضر كالغائب (٣)، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء، إذا كان في اطِّرَاحه لحكمه (٤) بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه (٥).
(١) قوله: وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية .. "، وهذه وسيلة أخرى من وسائل حفظ العلم بالرعاية، ألا وهي: التأمل والتدبر والتفكر في العلم الذي تعلمته؛ لتستفيد منه، وتستخرج منه الفوائد، فإن من يحفظ العلوم كثر، لكن من يستفيد منها ويأخذ منها الفوائد قليل، ولذلك قال النبي ﷺ:(فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)[١].
(٢) قوله: "ورُبَّ"، يعني: يمكن أن يوجد.
(٣) قوله "حاضر كالغائب"، بل قد يكون الغائب أكثر فهمًا وحفظًا ومعرفة وإدراكًا من الحاضر، وفي مرات يكون هناك من يحفظ المرويات، وتكون منزلته بمنزلة الجاهل لا يستفيد من ذلك العلم، بل قد تكون منزلته أدنى من منزلة الجاهل.
(٤) وقوله: "ورب حامل للحديث ليس معه منه شيء إذ كان في اطراحه لحكمه"، يعني في تركه حكم الحديث، والعمل به والدعوة إليه.
(٥) وقوله: "منزلة الذاهب عن معرفته وعلمه يكون كالذاهب، ونقول: الصواب أن حامل العلم الذي لا يعمل به أقل درجة من الشخص الذي لا يحْمِلُ ذلك العلم؛ لأنه إذا كان عندك عينان تتمكن من الإبصار بهما، ثم بعد ذلك تغلق عينيك، وتكون ممن يضرب في الأعمدة والجدران فإن حال من كان كذلك أقل من الأعمى الذي يضرب في الأعمدة والجدران لعجزه عن الرؤية.