وقال مالك: "ما علمت أحدًا يفعل ذلك"، فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه. والثالثة: أن القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها، كما نقل عن ابن عمر ﵄، وبعض المهاجرين، وأما القراءة بعد ذلك -مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده- فهذا مكروه، فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلًا. وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها، لما فيها من التوفيق بين الدلائل. والذين كرهوا القراءة عند القبر، كرهها بعضهم، وإن لم يقصد القراءة هناك، كما تكره الصلاة، فإن أحمد نهى عن القراءة في صلاة الجنازة هناك. ومعلوم أن القراءة في الصلاة ليس المقصود بها القراءة عند القبر، ومع هذا فالفرق بين ما يفعل ضمنا وتبعا، وما يفعل لأجل القبر، بُيِّنَ كما تقدم. والوقوف التي وقفها الناس على القراءة عند قبورهم، فيها من الفائدة أنها تعين على حفظ القرآن، وأنها رزق لحفاظ القرآن، وباعثة لهم على حفظه ودرسه وملازمته، وإن قدر أن القارئ لا يثاب على قراءته فهو مما يحفظ به الدين، كما يحفظ بقراءة الفاجر وجهاد الفاجر، وقد قال النبي ﷺ: "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٢٦٤ - ٢٦٥).